دور النيابة العامة في حماية العقار أثناء مسطرة التحفيظ العقاري

المطلب الثاني: دور النيابة العامة في تسيير مكتب المساعدة القضائية 

  إضافة إلى الدور الإداري الذي تمارسه النيابة العامة في مسطرة التبليغ باعتبارها موطنا للمخابرة لمن لا موطن له في مسطرة التحفيظ العقاري، فإنها تعتبر كذلك جهة إدارية تتولى تسيير مكتب المساعدة القضائية[86]المنظم بمقتضى المرسوم الملكي لسنة 1966[87]، وباعتبار نظام المساعدة القضائية وارد في قانون التحفيظ العقاري، بحيث أن المشرع ألزم كل متعرض لم يحصل على المساعدة القضائية أداء الرسوم القضائية وحقوق المرافعة وذلك تحت طائلة إلغاء التعرض[88]. 

لذلك فإن جهاز النيابة العامة باعتبارها الجهة الساهرة على تسيير هذا النظام فإنها تتدخل في مرحلة التعرضات المقدمة ضد مطلب التحفيظ، إلا أن هذا التدخل في هذه الحالة يكون من نوع آخر، بحيث تتدخل باعتبارها جهة إدارية تصدر الأوامر بمنح المساعدة القضائية للمتعرضين الذين تقدموا بطلبات قصد الحصول عليها. 

ومن أجل دراسة هذا الاختصاص الإداري للنيابة العامة ارتأينا تقسيمه إلى شقين، بحيث نخصص الأول للنظام القانوني للمساعدة القضائية والثاني لشكلية طلب المساعدة القضائية.

الفقرة الأولى: النظام القانوني للمساعدة القضائية 

  تعتبر المساعدة القضائية بمثابة تدبير أقره المشرع لمصلحة المتداعين الذين لا تمكنهم حالتهم المادية من دفع نفقات الدعوى، بحيث يستطيعون بموجبه رفع هذه الدعوى والسير بها وإتمام جميع إجراءات التحقيق فيها حتى صدور الحكم وتبليغه والطعن فيه عند الاقتضاء وتسخير محام يساعدهم في خصومتهم مجانا، دون إلزامهم بدفع الرسوم والنفقات المقررة في القانون أو من قبل المحكمة[89]. 

 وبالرجوع إلى المرسوم الملكي لسنة 1966 باعتباره الإطار القانوني لنظام المساعدة القضائية، نجده يمنح هذا لحق لدى جميع محاكم المملكة، ولجميع الأشخاص سواء كانت طبيعية أو معنوية ما دامت غير قادرة على ممارسة حقوقها أو الدفاع عنها أمام القضاء نظرا لعدم كفاية مواردها، وذلك بشرط أن تتمتع بالشخصية المدنية والجنسية المغربية كما تطبق هذه المساعدة في كل نزاع وعلى المطالبات بالحق المدني أمام محاكم التحقيق، وإصدار الأحكام، كما تطبق خارج كل نزاع على أعمال القضاء الإداري والأعمال التحفظية.[90]

  ويترأس مكتب المساعدة القضائية قاضي من قضاة النيابة العامة كما يقوم بمهام الكاتب فيها موظف في كتابة الضبط أو النيابة أو عون من النيابة العامة فيما يخص المكتب المحدث لدى محكمة النقض[91] ومنح المساعدة القضائية تمتد بحكم القانون إلى أعمال وإجراءات التنفيذ الواجب القيام بها على إثر صدور الأحكام القضائية الممنوح من أجلها إذن المساعدة ويجوز إذا لم تكن للمدعي موارد كافية منحها عن جميع أعمال وإجراءات التنفيذ الواجب إنجازها ويجب على المكتب المختص أن يحدد نوع الأعمال وإجراءات التنفيذ التي على إثرها تطلب المساعدة.[92]

الفقرة الثانية: شكلية طلب المساعدة القضائية. 

  بالرجوع إلى المرسوم الملكي لسنة 1966 نجده حدد مجموعة من الإجراءات التي يجب على الشخص طالب المساعدة القضائية التقيد بها من أجل حصوله على ذلك، ويتعلق الأمر أساسا بتقديمه لطلب إلى وكيل الملك في المحكمة المعروض عليها النزاع.[93]

 وباعتبار المتعرض على مطلب التحفيظ بمثابة مدعي ينازع طالب التحفيظ وذلك بادعائه لحق على العقار موضوع مطلب التحفيظ  فإنه يجب عليه من أجل حصوله على المساعدة القضائية أن يقدم طلبا إلى وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية الواقع في دائرة نفوذها العقار موضوع مطلب التحفيظ. 

 ولصحة الطلب يجب على طالب المساعدة القضائية أن يدعمه بشهادة صحيحة من حيث الشكل يسلمها الباشا أو القائد تثبت عسر المعني بالأمر وتتضمن وسائل عيشه[94]. 

 وبعد الإدلاء بالطلب وبالوثائق الضرورية المطلوبة يسجل بسجل طلبات المساعدة القضائية ثم تسلم للمعني بالأمر نسخة من الطلب عليها تأشيرة تحمل رقم التسجيل وتاريخ التسجيل وكذا طابع كتابة النيابة العامة.[95]

 وبعد الانتهاء من مرحلة تسجيل الطلب يعمل وكيل الملك على إجراء تحقيق في الطلب وتلقي جميع المعلومات المفيدة المتعلقة بعسر الطالب وجوهر القضية، ويسلم الطلب إلى المكتب بعد القيام بهذه المساعي[96]. 

  وبعد توجيه وكيل الملك الطلب إلى المكتب، يقوم هذا الأخير بالاستخبار عن سائر المعلومات الضرورية لمعرفة حالة عسر الطالب، وفي حالة كون مقر طالب المساعدة أو سكناه توجد في دائرة نفوذ المكتب فإنه يتم إشعاره من أجل المثول أمام المكتب لتقديم إيضاحاته، بل الأكثر من ذلك يمكن للمكتب أن يجري محاولة صلح بين طالب المساعدة وخصمه، وفي جميع الأحوال يمكن للمكتب أن يأمر بإجراء بحث تكميلي.[97]

  وبعد الانتهاء من هذه الإجراءات يحال الملف على وكيل الملك أو من ينوب عنه قصد الاطلاع والتوقيع وتعيين تاريخ الجلسة، التي تنفذ بمكتب نائب وكيل الملك بحضور كاتب الضبط وكذا ممثل عن هيئة المحامين وممثل إدارة التسجيل[98] .

  وما تجدر الإشارة إليه أنه في حالة منح النيابة العامة إذن المساعدة القضائية للمستفيد فإن مفعول هذا الإذن يمتد إلى المرحلة الاستئنافية عندما يصبح المستفيد منها مستأنفا عليه [99] إذ يحق له رفع استئناف فرعي بمقتضى نفس المقرر، دون أن يكون بحاجة إلى طلب الاستفادة من المساعدة القضائية أمام محكمة الاستئناف.[100]

  وعليه، وبناء على ما سبق فما دام المتعرض على مطلب التحفيظ ألزمه المشرع أن يؤدي الرسوم القضائية وحقوق المرافعة التي يتم استخلاصها من طرف المحافظة العقارية لفائدة كتابة الضبط بالمحكمة الابتدائية، فإنه تبعا لذلك يمكن لهذا المتعرض إذا لم يكن في مقدوره دفع هذه المصاريف أن يتقدم بطلب إلى وكيل الملك طبقا للشروط السالفة الذكر قصد حصوله على المساعدة القضائية. وبالتالي إعفاءه من أداء هذه المصاريف سواء خلال المرحلة الإدارية للتحفيظ أي عندما يكون ملف التعرض بين يدي المحافظ على الأملاك العقارية أو خلال المرحلة القضائيةوذلك عند إحالة الملف للمحكمة قصد الفصل في النزاع. 

  وفي هذه الحالة المتعلقة بإحالة ملف التعرضات على المحكمة للفصل في النزاع، فإنه قد تظهر ضرورة القيام بإجراءات بحث في عين المكان من أجل الفصل في النزاع، وهذا الإجراء المتعلق بالانتقال إلى عين المكان غالبا ما يكون بطلب من المتعرضين وذلك في حالة تقديمهم رسوما يقتضي الأمر تطبيقها على العقار، ففي هذه الحالة يقوم القاضي المقرر بتحديد مصاريف التنقل إلى عين المكان، وتعتبر هذه المصاريف بمثابة التعويضات الواجبة للقاضي وكاتب الضبط والمهندس من أجل الخروج لإجراء هذه المهمة.[101]

   وإذا كان المشرع لم يحدد الطرف الملزم بإيداع هذا الرصيد حيث ترك الأمر لتقدير القاضي، فإن أحد الفقه[102] يرى بأن هذه المصاريف تقع على عاتق الطرف الذي طلب التنقل. 

  وعليه فإذا كان المتعرض هون الملزم بدفع مصاريف التنقل إلى عين المكان من أجل إجراء بحث حول النزاع فإن السؤال المطروح بخصوص هذه النقطة هو هل المستفيد من المساعدة القضائية يتحمل هذه المصاريف أم يعفى منها؟ وبعبارة أخرى هل تدخل صوائر الانتقال إلى عين المكان في إطار المساعدة القضائية؟ 

  إن الإجابة على هذا التساؤل تستوجب منا الرجوع إلى الفصل 12 من المرسوم الملكي المتعلق بالمساعدة القضائية الذي جاء فيه “يعفى مؤقتا المنتفع بالمساعدة القضائية من إيداع أي مبلغ برسم الصوائر ومن دفع أي أداء. أما صوائر تنقل القضاة وكاتب الضبط وجميع أعوان الكتابة والخبراء أو المترجمين وأجور عمال الخبرة أو الترجمة وصوائر الشهود المأذون في الاستماع إلى شهادتهم من طرف القاضي المختص فتسبقها الخزينة طبقا لتعريفة الصوائر العدلية”. 

إذن فمن خلال محتوى هذا الفصل يتبين أن المستفيد من المساعدة القضائية معفى من دفع صوائر التنقل إلى عين المكان حيث تتكفل بدفعها الخزينة العامة سواء كان متعرضا أو طالبا للتحفيظ.[103]

تابع قراءة المقال في الصفحة الموالية

الصفحة السابقة 1 2 3 4 5 6الصفحة التالية
زر الذهاب إلى الأعلى