الرقابة القضائية على المقررات التحكيمية

مقال تحت عنوان ” الرقابة القضائية على المقررات التحكيمية “

من إنجاز الطالب الباحث في سلك ماستر
قانون المنازعت مصطفى غنامي


مقدمة:

      يعتبر التحكيم قضاء خاص قوامه الاتفاق على طرح النزاع على شخص أو أشخاص معينين ليفصلوا فيه دون المحكمة المختصة، فمقتضى التحكيم نزول الأطراف عن الالتجاء إلى القضاء مع التزامهم يطرح النزاع على محكم أو أكثر ليفصلوا فيه بحكم ملزم للخصوم.
     وإذا كان دور تحقيق العدالة منوط بالدولة من خلال أجهزتها القضائية إلا أن اعتبارات مختلفة اقتضت الا يحتكر قضاء الدولة فض المنازعات، وإنما يشاركه في ذلك –في نطاق منازعات معينة-نظام التحكيم باعتباره صورة من صور القضاء الخاص المنظم بالقانون 05/08.
    فالمحكم قاض من نوع خاص كما أن عمله وإن قام على اتفاق التحكيم من الوصول إلى الوصول إلى حكم تحكيمي ينهي النزاع، لكن هذا الحكم الذي يصدره المحكم أو الهيئة التحكيمية خاضع لرقابة القضاء سواء من خلال الرقابة القبلية والتي تتمثل في إجراءات التحكيم وتعين الهيئة التحكيمية أو تجريح المحكمين، وهناك رقابة بعدية بعد صدور الحكم التحكيمي وهذه الصورة ستكون محط دراسة.
   وإذا ما بحثنا في كرونولوجيا تاريخ التحكيم فإنه موجود قبل قضاء الدولة في جميع التشريعات المقارنة لكن بالعودة إلى المغرب فإنه لم يعرف التحكيم بشكله النظامي إلا مع صدور قانون المسطرة المدنية في سنة1913 في الباب الخامس عشر من الفصول 527إلى 543، بعد ذلك انخرط المغرب في مجموعة من الاتفاقيات الدولية ذات الصلة بمجال التحكيم، وفي إطار الإصلاح القضائي لسنة 1974صدر ظهير شريف بمثابة قانون بتاريخ 28 شتنبر 1974 بالمصادقة على قانون المسطرة المدنية إذ تضمن في بابه الثامن تنظيم التحكيم في الفصول 306إلى 327.
    ومراعاة للتطور الاقتصادي الذي عرفته جل دول المعمور من خلال الوقيع على اتفاقية مراكش سنة 1995 التي دعت إلى عولمة الاقتصاد وما تم اتخاده من تدابير للدفع بعجلة الاستثمار الأجنبي من خلال إمكانية فض المنازعات عن طريق التحكيم من خلال القانون الإطار رقم 18.95بمثابة ميثاق الاستثمار.
     لكل هذه الأسباب، كان من الضروري تعديل مقتضيات التحكيم، من خلال القانون 08.05 من الفصل 306 إلى 70-327 الذي متع قضاء الدولة باختصاص رقابة المقررات التحكيمية. لكن هذا المقتضى المتعلق بالتحكيم لم يقف عند هذا الحد بل تم اعتماد مشروع مدونة التحكيم والوساطة الاتفاقية95.17 ابانت عن الدور الفعال الذي بات يلعبه قضاء الدولة في مراقبة الاحكام التحكيمية.
   وللاستجابة لطموحات الفاعلين الاقتصادين، حرص المغرب على تنظيم العلاقة بين القضاء والتحكيم وذلك بإقرار مبدأ الرقابة القضائية على أعمال المحكمين في إطار مزدوج يشمل المرحلة اللاحقة لصدور الحكم التحكيمي.

(adsbygoogle = window.adsbygoogle || []).push({});

    ويكتسي هذا الموضوع أهمية كبيرة من خلال رصد لاهم محطات تدخل القضاء من خلال رقابة الحكم التحكيمي عن طريق الطعون سواء الطعون غير العادية والطعن الخاص المتمثل في البطلان كذلك تظهر أهميته من خلال توازن بين رقابة القضاء وخصوصية التحكيم المتسم بالسرية والسرعة والمرونة من أجل تحقيق العدالة.
من خلال كل ما ذكر يمكن طرح إشكالية رئيسية مفادها: إلى أي حد وفق القضاء في رقابة المقررات التحكيمية؟
تتفرع عن هذه الإشكالية المحورية تساؤلات عدة:
  • ماهي ضوابط دعوى بطلان المقرر التحكيمي كأحد صور رقابة القضاء؟
  • ما هي اثار دعوى بطلان الحكم التحكيمي؟
  • ما مدى مساهمة القضاء في تذيل الحكم التحكيمي الوطني والدولي؟
    وإذا ما افترضنا أن القضاء له دور في رقابة الاحكام التحكيمية من خلال التأشير عليها من أجل التنفيذ، وعدم كفاية إرادة أطراف التحكيم في تحقيق السرعة والنجاعة وقلة التكاليف فإن في حالة عدم اتفاق إرادة الأطراف فإنهم يلجؤون للقضاء حامي الحقوق من الضياع.
    وللإجابة على الإشكالية المطروحة والتساؤلات الفرعية سنقوم وفق تعددية منهجية، من خلال المنهج التحليلي مبرزا أهم النقاط الأساسية لتدخل القضاء على المقررات التحكيمية بعد صدورها من خلال ال قانون08 /05، وكذا المنهج التاريخي لمعرفة لتغيرات مراقبة القضاء على المقررات التحكيمية، وكذا المنهج المقارن لتقيم أداء القضاء المغربي على المقررات التحكيمية من خلال التشريع المصري والفرنسي.
وتوخيا لشمولية الطرح تم تقسيم الموضوع وفق التصميم التالي:   
المطلب الأول: الرقابة القضائية على دعوى بطلان المقررات التحكيمية
المطلب الثاني: الرقابة القضائية على دعوى تذييل المقررات التحكيمية

المطلب الأول: الرقابة القضائية على دعوى بطلان المقررات التحكيمية

     بمجرد صدور الحكم التحكيمي فإنه وفقا لإرادة الأطراف يمكن محو اثار النزاع عن طريق تنفيذ الحكم التحكيمي، لكن إذا شاب المقرر التحكيمي أحد الأسباب الموجبة للطعون سواء الطعون الغير العادية والمتمثلة في الطعن بإعادة النظر، أو الطعن تعرض الغير الخارج عن الخصومة ،والطعن الخاص المتمثل في الطعن في البطلان  المحدد في الفصل 36-327،فإنه في هذه الحالة يتدخل القضاء من أجل رقابة الحكم التحكيمي من خلال النظر في دعوى البطلان.
    ويقصد بدعوى الطعن بالبطلان انكار التحكيم، أو التمسك ببطلان الحكم ويستوي في ذلك أن يكون التحكيم الداخلي وكذا التحكيم الدولي الصادر داخل المغرب، على عكس التحكيم الدولي الصادر خارج المغرب لا يمكن خضوعه لدعوى البطلان.
       وللقضاء دور مهم من خلال رقابة المقررات التحكيمية الموجب للبطلان، وذلك من خلال التأكد من مسببات وإجراءات الطعن بالبطلان (الفقرة الأولى)، وبما أن المحكمة المختصة في النظر في دعوى البطلان هي محكمة الاستئناف فبتها في الدعوى يرتب عد اثار (الفقرة الثانية).

(adsbygoogle = window.adsbygoogle || []).push({});

الفقرة الأولى: دعوى بطلان المقرر التحكيمي

    حدد المشرع المغربي كغيره من التشريعات المقارنة الحالات التي يحق فيها للأطراف رفع دعوى البطلان سواء في إطار التحكيم الداخلي من خلال المادة 36-327من قانون المسطرة المدنية وكذا التحكيم الدولي كما جاء في الفصل 51-327.
    وبالقراءة المتأنية للفصلين 36-327و -52-327 فإن المحكمة المختصة هي محكمة الاستئناف، لكن لقيام دعوى البطلان لابد من احترام الشروط الشكلية خاصة احترام الإجراءات المسطرية (أولا)، وكذا موجبات الطعن بالبطلان(ثانيا).
أولا: إجراءات تقديم دعوى البطلان
     بالرجوع لمنطوق الفصل 36-327 فإنه يتم رفع الدعوى من طرف الشخص الذي تضرر من جراء عدم احترام الهيئة التحكيمية للبيانات والاسبات المشار إليها سلفا، وبخصوص دعوى البطلان فإنها تستلزم توفر شروط رفع الدعوى من أهلية وصفة ومصلحة طبقا للقواعد العامة الفصل الأول من قانون المسطرة المدنية.
   والمحكمة المختصة هي محكمة الاستئناف بصفتها محكمة موضوع وهي المحكمة التي صدر القرار التحكيمي في دائرتها، ولا نتحدث عن الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف أإذ الاختصاص ينعقد للمحكمة بصفتها محكمة موضوع وهي تنظر في دعوى البطلان وفق المسطرة العادية.
     وبخصوص أجل تقديم الدعوى ليس هناك أجل محدد لتقديم دعوى البطلان مادام المقرر التحكيمي لم يتم تذيله بالصيغة التنفيذية، المشرع أشار في الفصل 36-327إلى أجل 15 يوما من تاريخ تبليغ الحكم المذيل بالصيغة التنفيذية، لكن الاشكال يطرح هل رفع دعوى الطلان رغم عدم تذيل الحكم التحكيمي بالصيغة التنفيذية؟ .
  بالقراءة المتأنية للقانون 05-08 وكجواب على هذا الاشكال فإنه يمكن تقديم دعوى البطلان في الحالات التالية:
الحالة1: إذا تم رفع دعوى البطلان قبل تذييل الحكم بالصيغة التنفيذية يمنع على المستفيد تقديم تذييل الحكم بالصيغة التنفيذية وينتظر مآل دعوى البطلان، هنا يعود اختصاص التذييل لصالح محكمة الاستئناف لأنها هي التي تنظر في دعوى البطلان وهذا ما نستشفه بالقراءة المتأنية للفصول 32-327و 38-327.
الحالة 2: إذا تم رفع دعوى البطلان من طرف المتضرر وتم رفع المستفيد لطلب الصيغة التنفيذية وقبل البت من طرف رئيس المحكمة المختص (مدنية تجارية ،إدارية)،يؤدي ذلك إلى رفع يد رئيس المحكمة ويعود الاختصاص لفائدة محكمة الاستئناف وهذا ما اشارله الفصول 32-327وكذاوبالتالي يجب على الجهة التي تبت في التذييل التخلي عن الفصل في هذا الطلب بقوة القانون سواء تعلق الامر بالتحكيم الداخلي أو بالتحكيم الدولي،وهذا ما سار عليه أمر صادر عن رئيس المحكمة التجارية بمكناس بتاريخ 15/02/2015″وحيث دفعت المطلوبة بأنها طعنت بالبطلان في الحكم التحكيمي أملم محكمة الاستئناف التجارية ،وأدلت بصورة لمقال الطعن والتمست تفعيل مقتضيات الفقرة الثالثة من المادة 32-327 من القانون05/08… وحيث طالما الامر بتخويل الامر بالصيغة التنفيذية لم يصدر بعد فإن ذلك يستوجب رفعا فوريا ليدنا عن الطلب وينبغي التصريح بذلك.”
وهذا ما أنتقده أحد الباحثينأن الأثر الواقف لتنفيذ الحكم التحكيمي بمجرد رفع دعوى البطلان نتيجة غير منسجمة ونظام التحكيم.
ومن وجهة نظري ولكي لا تصبح دعوى البطلان أداة سهلة في يد الخصم سيئ النية بهدف عرقلة تنفيذ حكم التحكيم يجب إلغاء الأثر الواقف للدعوى الطعن بالبطلان وهذا ما نأمله في مشروع مدونة التحكيم والوساطة الاتفاقية 17-95.
الحالة 3: حالة رفض التذييل بالصيغة التنفيذية من طرف رئيس المحكمة المختص وتم الطعن ضد الامر الصادر بعدم التذييل بالصيغة التنفيذية يمكن الطعن بالاستئناف، هنا هل يمكن للمتضرر رفع دعوى البطلان؟
   كجواب على هذا السؤال، ولتفادي صدور قرارين متناقضين، لا يمكن للمحكوم عليه الطعن بالبطلان إذ يمكن له أي المحكوم عليه التدخل في الدعوى، وهذا ما يمكن استنباطه من خلال الفصل 33-327.
إذا كانت هذه هي أهم الإجراءات المسطرية لتقديم دعوى البطلان فما هي موجبات دعوى البطلان؟

(adsbygoogle = window.adsbygoogle || []).push({});

ثانيا: موجبات دعوى البطلان
حدد الفصل 36-327 دعوى البطلان لقيامها يجب توفر أحد موجبات الطعن بالبطلان على أنه ” رغم كل شرط مخالف، تكون الاحكام التحكيمية قابلة للطعن بالبطلان طبقا للقواعد العامة أمام محكمة الاستئناف التي صدرت في دائرة نفوذها.
ويكون تقديم هذا الطعن مقبولا بمجرد صدور الحكم التحكيمي. ولا يتم قبوله إذا لم يقدم داخل أجل15 يوما من تاريخ تبليغ الحكم التحكيمي المذيل بالصيغة التنفيذية.
لا يكون الطعن بالبطلان ممكنا إلا في الحالات التالية:
  1. إذا صدر الحكم التحكيمي في غياب اتفاق التحكيم أو كان اتفاق التحكيم باطلا أو إذا صدر الحكم بعد انتهاء أجل التحكيم.
  2. إذا تم تشكيل الهيئة التحكيمية أو تعيين المحكم منفرد بصيغة غير قانونية أو مخالفة لاتفاق الطرفين.
  3. إذا بتت الهيئة التحكيمية دون التقيد بالمهمة المسندة إليها أو بتت في مسائل لا يشملها التحكيم أو تجاوزت حدود هذا الاتفاق، ومع ذلك إذا أمكن فصل أجزاء الحكم الخاصة بالمسائل الخاضعة للتحكيم عن أجزائه الخاصة بالمسائل الغير الخاضعة له، فلا يقع البطلان إلا على الأجزاء الأخيرة وحدها.

  4. إذا لم تحترم مقتضيات الفصلين 23-327الفقرة 2 و24-327 فيما يخص أسماء المحكمين وتاريخ صدور الحكم التحكيمي والفصل 25-327.
  5. إذا تعذر على أي من طرفي التحكيم تقديم دفاعه بسبب عدم تبليغه تبليغا صحيحا يتعين محكم أو إجراءات التحكيم أو لاي سبب آخر يتعلق بواجب احترام حقوق الدفاع.
  6. إذا صدر الحكم التحكيمي خلافا لقاعدة من قواعد النظام العام
  7. في حالة عدم التقيد بالإجراءات المسطرية التي اتفق الأطراف على تطبيقها أو استبعاد تطبيق القانون الذي اتفق الأطراف على تطبيقه على موضوع النزاع ….”
وعلى نفس المنوال بالنسبة للتحكيم الدولي الصادر داخل المغرب أشار الفصل 51-327 من قانون 05-08 على أنه يكون الحكم التحكيمي الصادر بالمملكة في مادة التحكيم الدولي قابلا للطعن بالبطلان في الحالات المنصوص عليها في الفصل 49-327.

الفقرة الثانية: أثار دعوى البطلان

   إن القرار الصادر في دعوى البطلان قد يصدر برفض هذه الدعوى وتأييد المقرر التحكيمي إما بقبولها وإبطال الحكم التحكيمي.
   إذا صدر الحكم التحكيمي برفض دعوى بطلان حكم التحكيم، فإن هذا يعني استقرار حكم التحكيم الامر الذي يترتب عليه استقرار التنفيذ الذي تم بمقتضاه إذا كان التنفيذ قد تم أو الاستمرار في تنفيذه إذا كان قد تم وقفه.
    ولئن كان الحكم القاضي ببطلان حكم التحكيم لا يتناول موضوع النزاع، فإن التساؤل المطروح حول القضاء المختص بنظر موضوع النزاع، أو بمعنى آخر هل ينعقد الاختصاص لمحكمة الاستئناف بالبت فيه بعد أن تقضي ببطلان حكم التحكيم؟ أم أن القضية تعرض من جديد على الهيئة التحكيمية احتراما لمبدأ سلطان الإرادة؟ واي الحلين أنجع في هذا المقام؟ .
    سنحاول الإجابة عن هذه التساؤلات وفق (أولا) لمدى سلطة محكمة الطعن في التصدي لجوهر النزاع، (ثانيا) سنعالج أهمية العودة إلى إجراءات التحكيم بعد القضاء ببطلان المقرر التحكيمي.

(adsbygoogle = window.adsbygoogle || []).push({});

أولا: سلطة محكمة الاستئناف في التصدي لجوهر النزاع
    بالرجوع للتشريعات المقارنة، نجد المشرع الفرنسي في الفصل 1493 قانون المسطرة المدنية، فإنه إذا أبطلت المحكمة المقدم إليها الطعن بطريق الابطال الحكم التحكيمي فإنها تفصل في موضوع النزاع وفي حدود المهمة المعينة للمحكم ما لم يتفق الأطراف على خلاف ذلكهذا بخصوص التحكيم الداخلي، أما في مجال التحكيم الدولي فحكم هذه المادة لا يطبق، وبالتالي فالقضاء ليس له سلطة في إطار التحكيم الدولي ولو صدر في فرنسا.
      أما بخصوص التشريع المصري، فإنه قد سكت في مسألة الاختصاص بنظر موضوع النزاع بعد القضاء ببطلان الحكم التحكيمي الصادر بشأنه، فإن غالبية الفقه المصري يذهب إلى أن المحكمة المختصة بالنظر في دعوى البطلان يجب أن تقتصر على إبطال الحكم التحكيم ولا يجوز لها الفصل في النزاع.
      أما بخصوص مشرعنا المغربي، فنجد الفصل 37-327 من قانون 05-08″ إذا أبطلت محكمة الاستئناف الحكم التحكيمي تبت في جوهر النزاع في إطار المهمة المسندة إلى الهيئة التحكيمية ما لم يصدر حكم التحكيم بالبطلان لغياب اتفاق التحكيم أو بطلانه”
      وينص في الفصل 54-327″ لا تطبق مقتضيا ت الفصل 37-327 على الطعن بالبطلان” من خلال هذين الفصلين ،يتضح أن المشرع المغربي يميز بخصوص الاختصاص بنظر موضوع النزاع بعد بطلان الحكم التحكيمي الصادر بشأن التحكيم الداخلي والتحكيم الدولي ، فإذا كان المشرع قد منح لمحكمة الاستئناف سلطة التصدي للجوهر بعد بطلان الحكم التحكيمي باستثناء حالة صدور الحكم بناء على اتفاق تحكيم باطل أو عند غيابه ،فإن الاختصاص لا ينعقد لها في حالة بطلان الحكم التحكيمي الدولي الصادر داخل المغرب فإذا قضت هذه الأخيرة ببطلان الحكم التحكيمي الدولي انتهت الخصومة امامها ،فليس لها الحق البت في جوهر النزاع..
ثانيا: العودة إلى التحكيم بدلا القضاء بعد البطلان
     إن احترام مبدأ سلطان الإرادة هو الأصل أي احترام إرادة الأطراف بعرض النزاع على هيئة تحكيمية، ذلك أن الأطراف باتفاقهم على حل منازعاتهم عن طريق التحكيم يكونوا قد حجبوا عن القضاء حق البت في هذه المنازعات، وعلى هذا الأساس، لا يعقل التنكر لذلك بمنح القضاء سلطة النظر في النزاعات المذكورة لأنه على حد تعبير أحد الباحثين عودة بالأطراف إلى ساحة القضاء من باب الخلفي والحال أنهم لا يرغبون في طرح النزاع عليه.
    إن محكمة الاستئناف المختصة بالنظر في دعوى البطلان بتصديها ستفرغ التحكيم من سماته وخصوصيته المتمثلة في السرعة والمرونة وسهولة الإجراءات ونظر محكمة الاستئناف في الجوهر فيه حرما الأطراف من درجة من درجات التقاضي المكفول دستوريا ويعد أحد أهم المبادئ العالمية في التنظيم القضائي.
    بخصوص دعوى البطلان فهي تعد صورة فعلا من صور الرقابة القضائية لأنها تعد من نوع خاص، مع الطعون الغير العادية التي يحيل قانون05/08 المتعلق بالتحكيم والوساطة الاتفاقية على القواعد العامة في قانون المسطرة المدنية والممثلة كما اشرت لها في مقدمة المطلب في الطعن بإعادة النظر وتعرض الغير الخارج عن الخصومة.
    وإذا كان دعوى البطلان لا يمكن تطبيقها على المقررات التحكيمية الصادرة خارج المغرب، وأن قاضي البطلان يراعي موجبات البطلان فإن كذلك رئيس المحكمة المختص بالتذيل يراعي هو كذلك أثناء تذييل الاحكام التحكيمية يراعي هذه الموجبات وهذا ما سيؤدي لا محال إلى التضخم التشريعي وإطالة المساطر والإجراءات وهذا غير مجدي بالنسبة للوسائل البديلة لفض المنازعات عامة وخصوصا التحكيم، إذن ما المقصود بدعوى التذيل؟.

(adsbygoogle = window.adsbygoogle || []).push({});

المطلب الثاني: الرقابة القضائية على دعوى تذييل المقررات التحكيمية

    إن الاحكام القضائية تعد عنوانا للحقيقة إذا تم تنفيذها، لكن في حالة امتناع المحكوم عليه فإنها تحتاج إلى التذييل واتباع مسطرة التنفيذ الشاقة، كذلك الشأن بالنسبة للأحكام التحكيمية فإنه في حالة الامتناع عن التنفيذ الاختباري وهذا هو الأصل، أمكن للمتضرر للجوء للقضاء من أجل تذييل الحكم التحكيمي بالصيغة التنفيذية من أجل التنفيذ.
     إن الاحكام التحكيمية بمجرد صدورها تصبح حائزة لحجية الامر المقضي به، أي أن هذا المقرر التحكيمي لا يمكن عرضه على هيئة تحكيمية ستدلي “بسبقية البت” من خلال الفصل 26-327، لكن الفقرة الثانية من نفس الفصل أوردت استثناء يتمثل في القرارات الصادرة ضد الإدارة لا تصبح حائزة لحجية الامر المقضي به إلا بعد تذيلها بالصيغة التنفيذية، إذ لا مجال للتنفيذ الاختياري في مواجهة الإدارة والزمها رقابة القضاء عن طريق التذييل الذي يعد كاشف لحجية الامر المقضي به.
   إن تذييل الحكم التحكيمي بالصيغة التنفيذية يجعله تصبح له قوة الشيء المقضي به، لكن هذا التذييل يحتاج إلى رقابة قضائية عن طريق دعوى التذييل التي تحتاج لعدة إجراءات وشكليات تجسد تدخل القضاء لمراقبة القرارات التحكيمية (الفقرة الأولى).
   الامر ليس هينا حتى في مرحلة التنفيذ إذا القضاء يبسط رقابته من خلال تجاوز الصعوبات التي تعترض تنفيذ الحكم التحكيمي بعد تذيله بالصيغة التنفيذية (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: إجراءات دعوى التذييل بالصيغة التنفيذية

   بالرجوع لمقتضيات القانون 08-05 خصوصا الفصل 31-327 وكذا المادة 65 من مشروع مدونة التحكيم والوساطة الاتفاقية 17/95، فإنه يتم تقديم طلب التذيل إلى الجهة القضائية المختصة، إذا يجب إيداع أصل الحكم لدى كتابة الضبط، وكذا اتفاق التحكيم خلال 7 أيام من تاريخ صدور المقرر التحكيمي. وهذا الإيداع يتم من طرف المحكم أو الأطراف لكن ما جدوى الآجال وما جزاء اخلاله؟ وما موقع المحكم من تقديم طلب التذيل بالصيغة التنفيذية؟
   بالنسبة للآجال 7 أيام فسواء كنا أمام التحكيم داخل المغرب أو خارج المغرب فإنه أجال غير معقول، لكن المشرع اشار إلى الطرف الأكثر استعجالا وجزاء الاخلال لا يرتب أي إثر.
   وبخصوص موقع المحكم من تقديم طلب التذييل هو وضع سند تحت يده من أجل المطالبة بأتعابه في حال وقوع النزاع في الاتعاب.
   بالنسبة للجهة المختصة لتذييل المقررات التحكيمية الداخلية، أو المقررات التحكيمية الدولية الصادرة داخل المغرب فإنه يعود لرئيس المحكمة المختص الدرجة الأولى الصادر في دائرة نفوذها وهذا ما يمكن أن نستشفه في الفصل 31-327.
  بالنسبة للتحكيم الدولي الصادر خارج المغرب فإن طلب التذييل يجب تقديمه من قبل المستفيد التابع لها مكان التنفيذ لفائدة رئيس محكمة الدرجة الأولى المختصة نوعيا في النزاع سواء مدنية أو تجارية أو إدارية من خلال الفصل 46-327.
  قد يختص في حالة استثنائية التذييل للرئيس الأول لمحكمة الدرجة الثانية وذلك في حالة واحدة صدور القرار التحكيمي وكان النزاع معروض على محكمة الاستئناف وتم العودة الى التحكيم طبقا للفصل 31-327.
   ويمكن كذلك لمحكمة الاستئناف تذييل المقرر التحكيمي في حالة رفض دعوى البطلان وهذا ما وقفنا عليه أثناء دراستنا لدعوى البطلان.
   التساؤل المطروح هل يمكن الطعن في حالة رفض أو القبول رئيس المحكمة طلب التذييل بالصيغة التنفيذية؟
    كجواب على هذا التساؤل فإنه وقبل كل شيء يجب أن تكون قرارات التذييل معللة طبقا للفصلين 33-327و 48-327، إذ يمكن في حالة رفض رئيس المحكمة طلب التذييل الطعن بالاستئناف ويمكن في هذه الحالة اثارة أسباب دعوى البطلان أمام محكمة الاستئناف ويستوي في ذلك في التحكيم الداخلي والدولي الصادر داخل المغرب وخارجه.
أما بخصوص حالة قبول رئيس المحكمة التذييل فإنه وطبقا لمقتضيات الفصلين 32-327و 51-327 فإنه لا يقبل الطعن.
في حالة التذييل وبدء تنفيذ القرار التحكيمي فإن قد تعترضه عدة صعوبات فما هي؟

(adsbygoogle = window.adsbygoogle || []).push({});

الفقرة الثانية: صعوبات تنفيذ المقررات التحكيمية

     تتعدد الصعوبات التي تواجه المقررات التحكيمية سواء الصعوبات القانونية التي مصدرها القانون، وكذا صعوبات مادية مصدرها الواقع.
   بخصوص الصعوبات القانونية التي يمكن أن تعترض سبيل المقررات التحكيمية ويتدخل القضاء لرقابتها من أجل وقف التنفيذ من قبيل وجود خطأ في الحكم التحكيمي حيث يتم تقديم طلب من أجل اصلاح الخطأ للهيئة التحكيمية.
    كذلك نجد الصعوبة في حالة غموض المقرر التحكيمي فيه كله أو في بعض فقراته فإنه يتم طلب حكم تفسيري من أجل التفسير هنا كذلك يتم وقف التنفيذ إلى حين تجاوز الصعوبة.
  وبالرجوع لمقتضيات الفصل 30-327 فإنه يتم وقف التنفيذ في حالة الامتناع يتم تقديم طلب لرئيس المحكمة من أجل وقف التنفيذ ويمكن إثارة دعوى الصعوبة في التنفيذ من خلال قانون المسطرة المدنية من خلال تجاوز الغموض أو في حالة التفسير وكذا حالة تصحيح الخطأ.
وبخصوص الصعوبات المادية نجد بطلان التنفيذ من خلال التبليغ، وكذا عدم الإنذار في حالة التنفيذ الجبري كلها صعوبات من شأن رقابة القضاء تجاوز الإشكالات المتعلقة بوقف تنفيذ المقررات التحكيمية.
                          خاتمة: 

         نافلة القول من خلال الدراسة والتحليل لرقابة القضاء على المقررات التحكيمية من خلال أخد كل من دعوى البطلان ودعوى التذييل بالصيغة التنفيذية يتضح أن القضاء قريب جدا ومحصن لحقوق الافراد، لان فسج المجال وإعطاء الفرص للمحكمين سيطيح لا محال بالجهاز القضائي الذي يعد صمام الأمان والاستقرار. وضمانا لتحقيق أمن قضائي يستجيب لطموحات المستثمر الأجنبي والوطني كان لزاما إعطاء القضاء سلطة الرقابة على المقررات التحكيمية. لكن ما يعاب عليه أن موجبات الطعن بالبطلان الذي تنظر فيها محكمة الاستئناف، نفسها يراقبها رئيس المحكمة المختص في دعوى التذييل، وللحفاض على خصوصية التحكيم فإنه يجب استبعاد دعوى البطلان وكذا الطعون غير العادية لأنها تعد تكرارا لدعوى التذييل بالصيغة التنفيذية.


(adsbygoogle = window.adsbygoogle || []).push({});




لائحة المراجع
  • الكتب
  • مصطفى بونجة، نهال اللواح “التحكيم في المواد التجارية والإدارية والمدنية”، الطبعة الاولى2015 ، مطبعة الأمنية الرباط.
  • عبد الكبير العلوي الصوصي، رقابة القضاء على التحكيم، دار القلم، الطبعة الأولى 2012.
  • حفيظة السيد حداد،” الطعن بالبطلان على أحكام التحكيم الصادر في المنازعات الدولية الخاصة، دار الفكر الجامعي طبعة 1997.
  • المقالات
  • حمدناه بوكنين ” أثار الطعن بالبطلان في حكم التحكيم التجاري على ضوء التشريع المغربي والمقارن «مقال منشور مجلة المنبر القانوني ال عدد5، أكتوبر 2013، ص 187-199.
  • النصوص القانونية
  • القانون رقم 05-08 المتعلق بالتحكيم والوساطة الاتفاقية، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 169.07.1، بتاريخ 30 نونبر 2007، الجريدة الرسمية عدد 5584 بتاريخ 6 دجنبر 2007، ص 3894.
يمكنك تحميل المقال كاملا

زر الذهاب إلى الأعلى