نظرات في تأثير جائحة كورونا على العقود

نظرات في تأثير جائحة كورونا على العقود

من إعداد: حمزة العرابي  طالب باحث في القانون الخاص  بكلية الحقوق السويسي  

لا شك أن العالم يعيش اليوم أزمة صحية غير مسبوقة وجائحة عالمية أثرت بشكل كبير على الأمن الصحي للدول، ويتعلق الأمر بفيروس كورونا المستجد الذي أصاب إلى حدود الساعة حوالي 30 مليون شخص حول العالم ووفاة حوالي 900 ألف شخص، وهي أرقام مهولة دفعت بعض الدول إلى اتخاذ إجراءات صحية صارمة وتتبع الوضعية الوبائية عن كثب.

إلا أن هذا الوباء أثر بشكل كبير على الاقتصاد وأدى إلى انكماش اقتصادي كبير للعديد من الدول، مما أدى بها إلى رفع الحجر الصحي مع إغلاق الأماكن التي تعرف انتشارا كبيرا للوباء وهذا ما قام به المغرب، حينما قام بإغلاق مجموعة من المدن التي تعتبر بؤر وبائية حقيقية.

وعليه، فإن آثر كوفيد 19 كان وخيما على الاقتصاد وكذلك على آلية اقتصادية هامة وهي  العقود خصوصا في مدى اعتبار هذا الفيروس قوة قاهرة يؤدي إلى استحالة تنفيذ الالتزام أو يمكن تكيفه على أنه مجرد ظرف طارئ  لا يؤدي إلى استحالة  تنفيذ الالتزام بل إلى صعوبة تنفيذه فقط.

ولا يخفى أن العقود لها دور كبير في تحريك عجلة الاقتصاد، وإن إيقاف تنفيذ مجموعة من الالتزامات سواء كانت مدنية أو تجارية سيكون له عواقب لا محالة على اقتصاد الدول لذلك لجئت بعض الدول إلى الاستناد إلى نظرية الظروف الطارئة أو القوة القاهرة.

فحينما يبرم شخص ما عقدا معينا فهو ملزم بتنفيذه طبقا لمبدأ العقد شريعة المتعاقدين المكرس في الفصل 230 من ظ ل ع وفي حالة ما حاول أحد الأطراف التحلل أو التماطل والتملص من التزامه فهو يتحمل المسؤولية العقدية، ويحق للطرف الآخر اللجوء إلى القضاء للمطالبة بتنفيذ العقد أو التعويض عن الضرر.

إلا أن مبدأ القوة الملزمة للعقد كما يطلق عليه أيضا ترد عليه مجموعة من الإستثناءات لعل أبرزها نظريتا القوة القاهرة والظروف الطارئة، وتشترط نظرية القوة القاهرة أن يكون سببها أجنبي أي ليس من فعل المتعاقد ويكون من الاستحالة دفعها وغير متوقعة ويؤدي إلى استحالة تنفيذ الالتزام كالفيضانات والزلازل والعواصف وغيرها طبقا للفصل 269 من قانون الالتزامات والعقود المغربي الذي نص في فقرته الأولى  على ما يلي: ” القوة القاهرة هي كل أمر لا يستطيع الإنسان أن يتوقعه، كالظواهر الطبيعية ( الفيضانات والجفاف، والعواصف والحرائق والجراد) وغارات العدو وفعل السلطة، ويكون من شأنه أن يجعل تنفيذ الالتزام مستحيلا.

ويشترط في نظرية الظروف الطارئة نفس شروط نظرية القوة القاهرة ما عدا فارق واحد بينهما وهو يمثل مربط الفرس للتميز بينهما، هو أن نظرية الظروف الطارئة تجعل تنفيذ  الالتزام مرهقا وشاقا على المدين ولا تجعله مستحيلا.

وعليه، فإن الفقه والقضاء اتفقا على اعتبار فيروس كورونا قوة قاهرة إذا توفرت شروطها وظرف طارئ في الدول التي تأخذ بهذه النظرية كفرنسا التي نصت عليها في المادة 1195 من المدونة المدنية الفرنسية، أما المشرع المغربي لا يأخذ بنظرية الظروف الطارئة ولم ينص عليها في قانون الالتزامات والعقود.

ومن ثم، فإن الإجراءات التي قامت بها المملكة المغربية بإغلاق مجموعة من المدن واعتماد الحجر الصحي في بداية الوباء، انعكس على تنفيذ العقود والوفاء بها سواء من قبل الأشخاص الطبيعيين أو المقاولات والشركات التجارية، مما يتطلب نوع من المرونة حينما تحال القضايا على المحاكم و اعتبار هذا الوباء يجعل تنفيذ الالتزام مستحيلا على المدين ومن ثم وجب منحه مهلة إضافية لتنفيذ التزامه وهو ما يسمى بالأجل الاسترحامي أو مهلة الميسرة التي تقضي بإعطاء المدين فترة معينة للوفاء بالعقد فلا تكليف بمستحيل، فقد نص المشرع المغربي على هذه المهلة في الفقرة الأخيرة من الفصل 243 من ق ل ع الذي جاء فيها: ” …. ومع ذلك، يسوغ للقضاة، مراعاة منهم لمركز المدين، ومع استعمال هذه السلطة في نطاق ضيق، أن يمنحوه آجالا معتدلة للوفاء، وأن يوقفوا إجراءات المطالبة، مع إبقاء الأشياء على حالها.”

وتجدر الإشارة في هذا الصدد بأن أغلب القضايا والنوازل التي تعرض على المحاكم المغربية في ظل هذا الوباء تتعلق بالمنازعات الكرائية في المحلات السكنية، إذ فقد العديد من المكتريين عملهم أو تم إيقافهم مؤقتا في ظل الانتشار السريع للوباء وخصوصا ما كان لهذا الفيروس من تأثير كبير على القطاعات الغير مهيكلة مما يطرح معه السؤال هل يجوز للطرف المكتري التملص تماما من أداء الوجيبة الكرائية تحت ذريعة فقدان شغله أو التوقف عن عمله أو بحجة إعفاء الدولة للمكتريين من أداء مبلغ الكراء وهذا غير صحيح بتاتا، وسيكون الجواب بالنفي، فالمشرع المغربي في بداية هذا الوباء قام بإيقاف جميع الآجالات القانونية من قبيل آجل الطعون وغيرها، وهنا يمكن للطرف المكتري التمسك كذلك باستحالة أداء الوجيبة الكرائية حينما كانت الظروف الصحية لا تسمح بذلك ولكن بعد رفع الحجر الصحي وسريان الأجل القانوني يحق للمكري المطالبة بالوجيبة الكرائية المتخلفة على الطرف المكتري، كما أن هذا الأخير يحق له التمسك بمهلة الميسرة وأن يطلب من القضاء امهاله مدة معينة لتنفيذ التزامه.

حاصل القول، إن هذا الوباء الفتاك أدى إلى ركود وشلل اقتصادي كبير  في العديد من الدول التي تضررت منها العديد من القطاعات الحيوية ومنها القطاع السياحي بالمغرب، مما دفع معظم الدول إلى فتح الحدود وإنعاش الاقتصاد وتوعية المواطنين بضرورة الالتزام بالتدابير الوقائية، وقد كان لهذا الفيروس كذلك تأثير على العقود المدنية والتجارية التي تضررت جراء هذا الوباء، إلا أن القضاء في مجموعة من الأحكام قام بتطبيق المقتضيات القانونية ومحاولة ضمان التوازن بين أطراف العلاقة التعاقدية.

زر الذهاب إلى الأعلى