دور القاضي في تنفيذ المقررات التحكيمية

المبحث الثاني القانون الواجب التطبيق على جوهر النزاع

لما كان التحكيم يتسع مجاله ليشمل العلاقات ذات البعد الدولي فان معرفة وتحديد القانون الواجب التطبيق على جوهر النزاع تعتبر مسالة هامة، فذلك يعتبر الأساس الذي يعتمده المحكمون في إصدار أحكامهم وبالتالي حسم النزاع وإنهائه وإذا كان الأمر لايطرح كثير إشكال بالنيابة للقاضي في كل دولة إذ يتعين عليه تطبيق النصوص القانونية للدولة التي يستمد منها سلطته وبالتالي يطيق القانون أو قواعد القانون الدولي الخاصة بتنازع القوانين لتلك الدولة.

فان الأمر على عكس ذلك يختلف تماما بالنسبة للمحكم الذي يستمد سلطته من اتفاق التحكيم، أي أن مصدر سلطة المحكم هي إرادة طرفي النزاع المعروض عل هيئة التحكيم فالقاضي يمارس هنا مهامه التي يجد لها أساسها في العقد عند النظر في النزاع أمامه عند تحديده واختياره للقانون أو القواعد الموضوعية التي تحكم موضوع النزاع ويبحث عن هذا القانون من خلال إرادة الأطراف الصريحة أو الضمنية.

فتعيين القانون الواجب التطبيق من قبل الأطراف قد يكون صريحا وذلك بالتنصيص عليه صراحة في اتفاق التحكيم وقد لايفصح أطراف الخصومة عن إرادتهم  في تحديد القواعد الواجب تطبيقها على موضوع النزاع ،وفي هذه الحالة يتعين على المحكم أن يبحث عن الإرادة الضمنية للأطراف لكي يتمكن من تحديد القانون الذي سيطبقه على هذا النزاع,

الرقابة القضائية على المقررات التحكيمية

وبذلك سنحاول البحث في إطار تحديد القانون الواجب التطبيق على جوهر النزاع عن تطبيق المحكم لقانون الإرادة الصريحة للطرفين في المطلب الأول ثم بعد ذلك نتطرق في المطلب الثاني لدور الإرادة الصريحة في اختيار القانون الواجب التطبيق.

المطلب الأول تطبيق قانون الإرادة الصريحة

فإطار عقد التحكيم قد يحددون في عقد اتفاق التحكيم القانون الذي يريدون الاحتكام إليه وفي هذه الحالة تكون هيئة التحكيم ملزمة بتطبيق القانون الذي اختاره الأطراف، وهذه المسالة من المبادئ المتعارف عليها في التحكيم التجاري الدولي وذلك أن القانون الذي يختاره الأطراف له الأولوية في التطبيق على كافة القوانين الأخرى القابلة للتطبيق متى كان هذا القانون لايتعارض مع القواعد الآمرة في النظم القانونية ذات العلاقة.

فالمشرع المغربي من خلال مقتضيات05_08 أكد على حرية الأطراف في اختيار القواعد القانونية التي تطبقها هيئة التحكيم على جوهر النزاع حيث نص الفصل44_327 من قانون المسطرة المدنية على مايلي :” تحدد في اتفاق  التحكيم، بكل حرية ،القواعد القانونية التي يتعين على الهيئة التحكيمية تطبيقها على جوهر النزاع .وفي حالة عدم اختيار الأطراف للقواعد المذكورة، فان الهيئة التحكيمية تفصل في النزاع طبقا للقواعد التي تراها ملائمة في جميع الأحوال، تأخذ الهيئة التحكيمية بعين الاعتبار ومقتضيات العقد الذي يربط بين الأطراف والأعراف والعادات السائدة في ميدان التجارة”

وهذه المسالة سبق أن أعدتها مجموعة من الاتفاقيات الدولية كاتفاقية لاهاي المؤرخة في فاتح مارس1954 المتعلقة بالمسطرة المدنية والتي تم الانخراط فيها بمقتضى ظهير30_09_1969 وكذلك اتفاقية نيويورك المبرمة في10_06_1958 بشان الاعتراف بالمقرارات التحكيمية وتنفيذها والتي صادق عليها المغرب بمقتضى الظهير الشريف266_01_59 بتاريخ19 يناير1960 بالإضافة إلى اتفاقية واشنطن لتسوية المنازعات الاستثمارية بين الدول ومواطني الدول الأخرى المؤرخة في 18_03_65والتي صادق عليه المغرب بتاريخ 10_06_67.

كما أن قواعد الهيئات  الدولية للتحكيم قد أشارت إلى حرية الإرادة في اختيار القانون الواجب التطبيق على المنازعات الدولية ومنها على سبيل المثال لائحة محكمة التحكيم لدى غرفة التجارة الدولية لباريس.

وإذا كان للإرادة هذا الدور في تحديد القانون الواجب التطبيق على جوهر النزاع فان هذا لايعني أن حرية الأطراف المطلقة بهذا الخصوص بل هي مقيدة باعتبارات النظام العام وعدم التحايل على القانون المعروض أصلا ليحكم النزاع.

المطلب الثاني : دور الإرادة الصريحة في اختيار القانون الواجب التطبيق

بما أن التحكيم بصفة عامة يقوم على اتفاق الأطراف حول اختيار هذه الوسيلة كسبيل للبث في المنازعات والخصومات التي تقع بينهم أو التي من المحتمل أن تقع مستقبلا.

فان لإدارة الطرفين في عقد التحكيم دور كبير من حيث اختيار الهيئة التحكيمية وكذلك في مجال اختيار القانون الواجب التطبيق على المنازعات التي قد تعرفها العلاقة التعاقدية التي تربط الطرفين وذلك سواء أكان هذا الاتفاق مشروطا في العقد بشرط التحكيم أم انه اتفاق خاص، إذ قد يفاق بين طرفي العقد.

على أن يحكم موضوع النزاع في دولة معينة ،وقد يتفق الأطراف على خضوع جزء معين من النزاع لقانون معين أو يتم الاتفاق على تطبيق بعض أحكام القانون المختار دون البعض الأخر وفي مثل هذه الحالة نكون بصدد الاختيار الايجابي، وقد يتفق الأطراف على استبعاد تطبيق قانون معين أو جزء من القانون المختار وهذا مايعرف بالاختيار السلبي للقانون.

خصوصية التحكيم في منازعات الاستثمار الأجنبي

ولكن في جميع هذه الأحوال نجد أن لإرادة الطرفين دورا أساسيا في اختيار القانون الواجب التطبيق على جوهر النزاع أو استبعاد تطبيق قانون ما، ومع ذلك فان هذا الدور للإرادة يبقى بحاجة إلى تفسير،وذلك من حيث بيان أساسه القانون والذي يمكن أن نجده في قاعدة العقد شريعة المتعاقدين، وكذلك ماورد بالفصل230 من قانون الالتزامات والعقود من كون الالتزامات التعاقدية المنشاة على وجه صحيح تقدم مقام القانون بالنسبة إلى منشئيها ولايجوز إلغاؤها إلا برضاهما معا أو في الحالات المنصوص عليها في القانون وكذلك الشأن لمبدأ حرية الإرادة ولما كان المحكم في مجال المنازعات الدولية ذات الطبيعة الخاصة يلعب دور القاضي في مجال المنازعات ذات الطابع الوطني فان السؤال الذي يثار هنا هو أي دور للمحكم في حالة ما إذا كانت إرادة احد الطرفين المتنازعين معيبة بأحد عيوب الإرادة؟

وهنا مسالة أخرى لاتقل أهمية، وهي أن اختيار القانون الواجب التطبيق المطروح على أهمية التحكيم قد يكون من قبل الطرف الأقوى في العلاقة ،وهذا مايحصل غالبا في الفقرة الدولية ذات الشكل النموذجي بحيث يكون قانون الإرادة هو في الواقع قانون الطرف الأقوى في العلاقة التعاقدية، مما يهدد التوازن العقدي وغالبا مايكون القانون الواجب التطبيق هو القانون الوطني للطرف الأقوى في العلاقة ،وفي هذه الحالة تثار مسالة مدى أهمية إمكانية تطبيق أحكام وقواعد عقود الإذعان بمعنى هل يمكن للمحكم من الشروط التعسفية حماية للطرف الضعيف في العلاقة؟

ويحصل أحيانا أن تطرأ بعض الظروف الاستثنائية التي تجهل تنفيذ التزامات احد المتعاقدين مرهقا وقد تلحقه خسارة جسيمة فما دور المحكم في مواجهة مثل هذا الاحتمال؟ هل يستطسع المحكم أن يوازن بين مصلحتين الطرفين المتعاقدين ويرد الالتزام المرهق إلى الحدود المعقولة وفق مقتضيات العدالة كما تقتضي بذلك أحكام القوانين الوطنية؟

دور التحكيم في تحقيق الأمن القضائي
الصفحة السابقة 1 2
زر الذهاب إلى الأعلى