تنصيب المحامي بين واقع الحال ومشاريع المآل

تنصيب المحامي بين واقع الحال ومشاريع المآل  

تنصيب المحامي بين واقع الحال ومشاريع المآل

تنصيب المحامي بين واقع الحال ومشاريع المآل  

دراسة في ضوء مسودات مشاريع قانون المسطرة المدنية   ومهنة المحاماة واستعمال الوسائط الالكترونية في الإجراءات القضائية

  • ذ : معاذ فخصي
  • محامي متمرن بهية المحاماة بالدار البيضاء
  • طالب باحث بكلية الحقوق بالرباط

     لكل مجال رجالاته وأصحاب التخصص فيه، وهبوا مراحل عمرهم لذلك التخصص دراسة وتمحيصا وتعمقا، ليغنوا معارفهم النظرية بعمل يومي تطبيقي طور من قدراتهم، وجعلهم ملوكا لتخصصهم لا يناقشهم فيه أحد؛ فلا يعرف مصدر الداء إلا الطبيب، ولا يعرف نجاعة الدواء إلا الصيدلي، ولا يلقن الدرس تمام التلقين إلا الأستاذ، ولا يقف على قواعد الحكم الشرعي باستعمال وسائل الاستنباط الفقهي إلا الفقيه المجتهد.

   كذلك مجال العدالة، مجال خصب لإرجاع الحقوق لأصحابها، وضمان سير الخصومة، وتفسير النصوص، والبحث عن الحقيقة الحقة، مقابل كم هائل من القوانين والإجراءات، بل والجزاءات التي يضيع معها الحق شكلا أو موضوعا.

   لذلك كان رجال الدفاع أعرف الناس بخبايا المحاكم، وسير المساطر، وطرق استيفاء الحقوق لأصحابها، ورفع الظلم. فإذا كان القاضي يفصل في النزاع بحجية أحكامه وضرورة توقيعه تحت طائلة البطلان، فإن سبيل الوصول لذلك الحكم كان عن طريق اجتهاد المحامي، من خلال مقالاته ومذكراته ومرافعاته، فيحكم القاضي المدني بما راج أمامه من مستندات ووثائق وطلبات ودفوع مصدرها رجال الدفاع، كما يحكم القاضي الجنائي باقتناع صميم، يشاركه في الوصول له محام دوره تنوير ذلك الاقتناع، والمساهمة في جعل قوامه الحق والعدالة.

إقرأ أيضا : تعرف على أهم صفات المحامي الناجح

   لأجل ذلك كان تدخل المحامي في المساطر أمرا ضروريا. غير إن القوانين الحالية، وكذا المشاريع المطروحة التي لها علاقة بتدخله، قد عقبتها مجموعة من النقاشات والإشكالات الجديرة بالبيان والتوضيح والترافع، والتي سنحاول الوقوف على أبرزها من خلال هذا العمل المتواضع.

” فإلى أي حد استطاع المشرع المغربي في ضوء القوانين الحالية والمشاريع المستقبلية تنظيم تنصيب المحامي بشكل يضمن تحقيق مطمح العدالة المبتغى”

جوابا على ذلك نقترح العمل وفق المحاور التالية :

  • المحور الأول: واقع إلزامية حضور المحامي في ضوء القوانين الحالية.
  • المحور الثاني: تنصيب المحامي في ظل مسودة مشروع قانون المسطرة المدنية.
  • المحور الثالث:  تنصيب المحامي في ظل مسودة مشروع القانون المنظم لمهنة المحاماة.
  • المحور الرابع: تنصيب المحامي في ظل مشروع استعمال الوسائط الالكترونية في الإجراءات القضائية.

المحور الأول: واقع إلزامية حضور المحامي في ضوء القوانين الحالية.

     يعتبر حضور المحامي في الخصومة بكل أنواعها من المسلمات الحمائية، فهو الساهر على حسن سير المساطر وتوضيح الخروقات وإثارة أي تعسف في الضمانات، مما يجعل من مذكراته مرجعا لمن أعطاه القانون صلاحية فض النزاعات.

    وفي الحقيقة، إن واقع تنصيب المحامي على الشكل الذي هو عليه الحال الآن يشهد تهميشا كبيرا في أحقية تدخله، وبالتبعية تهميشا في حق سير العدالة، لذلك شكل هذا الموضوع نقاشا في مجموعة من المناسبات العلمية والكتابات البحثية.

    إن واقع الحال يعطي إلزامية تنصيب المحامي كأصل، ثم يأتي بمجموعة من الاستثناءات الواردة على هذا الأصل. وهنا يستوجب الأمر التبصر وتصحيح خلط شائع بين مجموعة من الناس إلا المتبصر منهم، بين طبيعة المسطرة أمام المحاكم وعلاقتها بإلزامية تنصيب المحامي من عدمه، فلا علاقة بينهما إلا في تشابه بعض الحالات هنا وهناك، إذ إن طبيعة المسطرة مؤطرة في الفصل 45 من ق.م.م، والذي أسس للمسطرة الكتابية كأصل، واستثنى منها بعض المساطر كالآتي:

  • القضايا التي تختص المحاكم الابتدائية فيها ابتدائيا وانتهائيا؛
  • قضايا النفقة والطلاق والتطليق؛
  • القضايا الاجتماعية؛
  • قضايا استيفاء ومراجعة وجيبة الكراء؛
  • قضايا الحالة المدنية.

إقرأ أيضا : واجبات المحامي وحقوقه والآداب التي ينبغي عليه التحلي بها في الفقه الإسلامي والقانون

غير أن هذه المساطر الشفوية لا تعتبر قرينة على انعدام إلزامية تنصيب المحامي، بل إن الأمر لا يعدو أن يكون إلا تشابها في بعض الحالات، أما الأساس القانوني المنظم لتدخل المحامي وإلزاميته، فقد أسس له المشرع في المادة 32 من القانون 28.08 المنظم لمهنة المحاماة بوصفه نص خاص ينظم كل ما له علاقة بالشأن المهني للمحامي، وعلى رأسه اختصاصاته وطبيعة تدخله.

   ورجوعا للمادة 32 نجدها تؤسس لإلزامية تنصيب المحامي كأصل عام، مع إقرار مجموعة من الاستثناءات على الشكل الآتي:

  • التصريحات المتعلقة بالحالة المدنية؛
  • النفقة ابتدائيا واستئنافيا؛
  • القضايا التي تبت فيها المحكمة الابتدائية ابتدائيا وانتهائيا؛
  • الجنح والمخالفات.

يتضح من ذلك تباين طبيعة المسطرة مع إلزامية تنصيب المحامي، فالمسطرة في المادة الاجتماعية شفوية، لكنها غير معفية من إلزامية تنصيب محامي من عدمه، إضافة إلى حالات أخرى كقضايا الوجيبة الكرائية والطلاق والتطليق وغيرها.

لقد جاء في قرار لمحكمة النقض ما يلي: ” إن النزاعات المترتبة عن عقود الشغل وعن الخلافات بين المشغل والأجراء لا يمكن رفعها أمام القضاء إلا بواسطة محام ولا يجوز مباشرتها من طرف المعني بها بصفته تلك”[1]

    أما في المادة الزجرية فالأمر أكثر وضوحا، إذ استثنت المادة 32 الجنح من الإلزامية، وهو ما تماشت معه المادة 316 من ق.م.ج التي اعتبرت مؤازرة المحامي إلزامية في الجنايات، واختيارية في الجنح، مع بعض الاستثناءات الجنحية التي تصبح فيها مؤازرته إلزامية، كالحدث، والأبكم، والأعمى، والمصاب بأي عاهة أخرى، أو المعرض للحكم بالإبعاد، أو حالة الفقرة 4 من المادة 312 من ق.م.ج.

تابع قراءة المقال في الصفحة الثالية

1 2 3الصفحة التالية
زر الذهاب إلى الأعلى