تكييف جائحة كورونا وآثارها على علاقات الشغل الفردية بالمغرب

 

عماد اشنيول طالب باحث بماستر المنازعات القانونية والقضائية بسلا

.

   لقد أثر فيروس كورونا المستجد بشكل كبير على علاقات الشغل الفردية،تجلى ذلك أساسا من خلال اغلاق الكثير من المقاولات لأبوابها وتوقيف نشاطها، اما بشكل كلي او جزئي، مما أدى الى تسريح العديد من العمال عن عملهم. هذا الامر الذي خلق نقاشا كبيرا بين المهتمين بالشأن القانوني والقضائي والفقهي، حول تكييف هذه الجائحة على عقود الشغل الفردية. ومنه فإلى أي حد يمكن اعتبار جائحة كوفيد 19 قوة قاهرة من منطلق مدونة الشغل المغربية ? بمعنى هل يمكن للمشغل الدفع بالقوة القاهرة فيما يتعلق بنزاعات الشغل الفردية وماهي الاثار القانونية لتوقف او انهاء عقود الشغل نتيجة الازمة الصحية الراهنة.

بالرجوع الى مقتضيات قانون الالتزامات والعقود، وانطلاقا من الفصل 268منه نجد المشرع المغربي اعتبر القوة القاهرة من أسباب عدم تنفيذ الالتزامات متى توفرت شروطها طبقا للفصل 269، وهي عدم إمكانيةالتوقع واستحالة التنفيذ وانتفاء خطا المدين تجعل تنفيذ الالتزام مستحيلا،كحالة الفيضانات والجفاف، والعواصف،والحرائق، والجراد، وفعل السلطة. وكان القضاء المغربي اجمع من خلال محكمة النقض على شروط القوة القاهرة بحيث عرفتها على انها “كل شيء لا يمكن تصوره ولا يستطاع دفعه ومن شانه ان يجعل تنفيذ الالتزام مستحيلا”.

لكن إذا كان هذا يجوز في إطاراحكام قانون الالتزامات والعقود، فان الامر يختلف عن ذلك في إطار مدونة الشغل التي تختلف احكامها عن احكام القانون المدني، فمعلوم ان قانون الشغل استقل بأحكامه عن القانون المدني، ومنه لا يمكن تطبيق احكام الفصل السابق على احكام علاقات الشغل الفردية التي تخضع لمدونة الشغل.

ان جائحةكوفيد-19 يمكن اعتبارها طبقا للفصل المشار اليه أعلاه قوة قاهرة في إطار احكام القانون المدني حيثتعفي المدين من المسؤولية على عكس قانون الشغل، فان الالتزام لا ينتهي وانما يتوقف مؤقتا بسبب حالة الطوارئ الصحية، بمعنى ان الاجير لا يتلقى الاجر مدام ”الاجر مقابل العمل”، ولكن يستفيد من التعويضات فقط، كالتعويض عن الفصل او عن الضرر والتعويضعنالاخطار.ومنه فيبدو ان فيروس كورونا ليس هو القوة القاهرة المباشرة الذي أثر على التزامات العمال والمشغلين بل قرار اغلاق المقاولات الذي صدر من قبل الحكومة المغربية عن طريق مرسوم حالة الطوارئ نتيجة انتشار مرض كوفيد-19 داخل البلاد بداية شهر مارس المنصرم.

ان صعوبة تكييف جائحة كورونا على انها قوة قاهرة تنبع أساسا من خلال اسقاط شروط القوة القاهرة عليها، فبخصوص شرط عدم التوقع مثلا، هلنعتد به ابتداء من تاريخ تسجيل اول حالة إصابة بالمغرب أي بتاريخ02 مارس، ام ابتداء من اعلان حالة الطوارئ الصحية بتاريخ 24مارس?. نظن ان الامر متروك للمحكمة مع العلم انه ليس من الضروري ربط شرط عدم التوقع بحالة الطوارئ الصحية، كالمقاولات التي ابرمت صفقات مع الصين مثلا ونتيجة لإغلاق الرحلات تجاه الصين استحال تنفيذ التزام المقاولة تجاه الاجراء متى اثبت المدين ذلك.

تجدر الإشارة الى ان الغرفة الإدارية بمحكمة النقض، قد توجهت سابقا الى ان مجرد المرض لا يعتبر قوة قاهرة، وعللت قرارها على أساس ان المرض لا يمنع المدين من التصريح بالمرض خلال الآجال القانونية.وهو نفس الامر الذي صارت عليه محكمة الاستئناف بباريس حينما توجهت في قرار لها سنة 2016الى ان فيروس “ايبولا “لا يعتبر قوة قاهرة، لأنه لم يجعل تنفيذ التزام المدين مستحيلا.

يمكن التمييز بخصوص اثار جائحة كورونا على عقود الشغل الفرديةبين الفرضيات التالية:

الفرضية الأولى:المقاولات التي أغلقت بناء على امر من السلطة

في هذه الفرضية الأولى يتوقف عقد الشغل بصفة قانونية طبقا للمادة 32 من مدونة الشغل وتعزى هنا القوة القاهرة الى فعل السلطة فيعفى المشغل من التزامه المتعلق بأداء الاجر.

 ومن امثلة هذه المقاولات نجد مثلا المقاهي والمطاعم ووسائل النقل العمومي، فعقود شغل هذه المقاولات تتوقفالى حين اشعار اخر من قبل السلطة يسمح للمقاولات باستئناف نشاطها حيث يتمتع الاجراء الذين توقفت عقود شغلهم بالأولوية للرجوع الى العمل منه طبقا لمقتضيات المادة508 من مدونة الشغل.

الفرضية الثانية:المقاولات التي لازالت تزاول نشاطها عن بعد

 كحالة المدارس الخصوصية مثلا، فعقود شغل هذه الاخيرة تبقى مستمرة وتنتجكافة اثارهاالقانونية.

الفرضية الثالثة: المقاولات التي أغلقت لظروف اقتصادية

كمقاولة يعتمد نشاطها الاقتصادي على التصدير ونظرا لحظر التنقل خارج البلد واغلاق المطارات توقف نشاطها،هنا يمكن التمييز بين الصور التالية:

الاغلاق المؤقت:

مباشرة بعد اعلان حالة الطوارئ بالمغرب قامت العديد من المقاولات بتوقيف نشاطها مما أدى الى توقيف عقود الشغل التي تربط هذه المقاولات بأجرائها، وهو الامر المنظم بمقتضى المادة32 من مدونة الشغل كما يجب هنا احترام احكام الاغلاق لأسباب اقتصادية المنصوص عليها في المواد 66 ،67 وما بعدهما.

ولتفادي الانعكاسات السلبية لهذا الاغلاق على وضعية الاجراء تدخلت الدولة فمنحت لكل الاجراء التي توقفت عقود شغلهم والمسجلين في الضمان الاجتماعي تعويضا قدره 2000 درهم لشهر ابريل وماي ويونيو ومبلغ 1000 درهم بخصوص شهر مارس.

 اما الاجراء الغير مسجلين بصندوق الضمان الاجتماعي فيمكن لهم الرجوع على المشغل قصد المطالبة بالتعويض بناء على الضرر الذي لحق بهم نتيجة عدم التصريح بهم من قبل المشغل لدى صندوق الضمان الاجتماعي.

  • التقليص من ساعات العمل او من عدد لأجراء:

 اما في حالة التقليص من ساعات العملطبقا للمادة 185 من المدونة، فيجب هنا الاستشارة مع مندوبي الاجراء، والحصول على اذن عامل العمالة او الإقليم يخول له الاذن للتقليص من عدد الاجراء او ساعات العمل طبقا لأحكام المادة 67من المدونة فيستفيد هنا الاجراء من التعويض عن الفصل والتعويض عن الاخطار(المادة51والمادة 52 من المدونة).

 الفرضية الرابعة:المقاولات التي لازالت تزاول نشاطها

هنا تجب الإشارة الى الحالةالتي يغادر فيها الاجير نظرا لإخلال المشغل بشروط الصحة والسلامة، فلا يعتبر هذا الفعل مغادرة تلقائية، بل يعتبر فصلا تعسفيا يوجب التعويض طبقا لمقتضيات الفقرة الأخيرة من المادة  40 من مدونة الشغل المحددة للأخطاء الجسيمة المرتكبة من طرف المشغل ضد الاجير.

و على غرار هذا ففي حالة امتناع الاجير عن الالتزامبشروط الصحة والسلامة فيعتبر خطا جسيما مرتكب من طرف الاجير طبقا لأحكام المادة39 من مدونة الشغل.

من خلال ما سبق، يمكن القول بان تكييف جائحة كورونا على انها قوة قاهرة سيؤدي لا محالة الى عدم استقرار المعاملات، وسيمس بحسن سير العدالة وبضمان السلم الاجتماعي، نظرا لان فعل السلطة هو الذي يعد قوة قاهرة، وليس مرض كوفيد 19 بحد ذاته.وان كان اسقاط شروط القوة القاهرة قد ينطبق نظريا على جائحة كورونا بالنظر الى وضع وظروف المدين.

زر الذهاب إلى الأعلى