المساطر العابرة للحدود لصعوبات المقاولة” قراءة في القسم التاسع من القانون 73.17 “

المساطر العابرة للحدود لصعوبات المقاولة” قراءة في القسم التاسع من القانون 73.17 “

المساطر العابرة للحدود لصعوبات المقاولة " قراءة في القسم التاسع من القانون 73.17 "

المساطر العابرة للحدود لصعوبات المقاولة” قراءة في القسم التاسع من القانون 73.17 “

بقلم يسرا دوليم باحثة بسلك الدكتوراه ، كلية العلوم القانونية و الإقتصادية و الإجتماعية – المحمدية –

تقديم :

 نتيجة للتحولات الْإقتصادية الكبرى عمل المغرب على إدخال عدة إصلاحات همت على الخصوص المجالات التي لها إرتباط بميدان المال و الأعمال ، و ذلك بهدف تحسين الأسس التي تساعد على بناء اقتصاد قوي و ترسيخ مبادئ الحكامة في الميدان الإجتماعي ، ومن ثمة كان لزاما على المغرب أن يعمل على توفير الأرضية المناسبة عن طريق وضع آليات تهدف إلى إقرار مناخ قانوني و إقتصادي ، قادر في نفس الوقت على تشجيع الإستثمارات الوطنية  وجلب الإستثمارات الأجنبية.

وكان لزاما لتحقيق هذه الأهداف الإهتمام بالمقاولة التجارية و بالمحيط الذي تحيا فيه ، وذلك من خلال وضع قواعد قانونية قادرة على  حمايتها من كل الصعوبات التي يمكن أن تعرقل إستمراريتها ، على إعتبار أن المقاولة التجارية تعد أهم آلية للإقلاع الإقتصادي  و هو ما حدا بالمشرع المغربي إلى إعادة تأهيل منظومته القانونية من خلال تعديل الكتاب الخامس من مدونة التجارة و المتعلق بمساطر معالجة صعوبات المقاولة بمقتضى القانون رقم [1]73.17 المنشور بالجريدة الرسمية عدد 667 بتاريخ 23 أبريل 2018 القاضي بنسخ وتعويض الكتاب الخامس من القانون رقم 15.95، و يتضمن القانون الجديد عدة مستجدات ، فالكتاب الخامس لم يكن يتضمن أي مقتضى خاص ينظم مساطر صعوبات المقاولة المفتوحة خارج التراب الوطني باستثناء ما ورد في الفصل 20 من الظهير المنظم لوضعية الأجانب في المغرب.[2]

إقرأ أيضا : نظرة حول مسطرة الإنقاذ:جدید الكتاب الخامس المتعلق بمساطر صعوبات المقاولة

وإذا كانت لا توجد في المغرب أية مقتضيات قانونية تحكم هذا الموضوع الذي يخضع للإجتهاد القضائي ، ونظام المعاملة بالمثل و الإتفاقيات الدولية ، فإن القانون رقم 73.17 القاضي  بتغيير وتتميم الكتاب الخامس من مدونة التجارة في قسمه التاسع جاء ببعض المقتضيات مماثلة لتلك التي تضمنها القانون النموذجي الدولي ،  سواء من خلال قواعده المسطرية أو أهدافه ، كل ذلك من أجل توفير وتعزيز الأمن القانوني والأمن القضائي لدى الأطراف المعنية بفتح مساطر المعالجة الدولية ، والحفاظ على النظام العام الإقتصادي و الإجتماعي و المحلي و الدولي على حد السواء.

    إشكالية الموضوع

ما مدى توافق احكام  القسم التاسع من قانون 73.17 مع قواعد القانون النموذجي للأونسيترال ؟

     خطة البحث

تقتضي معالجة الإشكالية التي يطرحها الموضوع والاجابة عن مختلف الأسئلة القانونية التي يثيرها تقسيم هذه الدراسة الى مطلبين اثنين، حيث نخصص المطلب الأول للحديث عن الاحكام العامة للمساطر العابرة للحدود على ان نتناول في المطلب الثاني التعاون والتنسيق في المساطر الأجنبية .

المطلب الأول :  الأحكام العامة للمساطر العابرة للحدود

لقد إنشغل الفقه و القضاء كثيرا بمسألة الآثار الدولية لحكم فتح مساطر المعالجة و بمعنى آخر هل يمتد أثر الحكم الى كل دولة تملك فيها المقاولة المدينة أموالا أو يكون لها فيها دائنون أو على العكس ، فإن آثاره تقتصر على الأموال و الدائنين الموجودين في الدولة التي صدر الحكم بإسمها فقط إنها معركة فكرية و قانونية تختزن كما هائلا من التناقضات و المصالح الداخلية و الخارجية أو الدولية.

ولقد إقترح البعض تلطيفا لمبدأ الإقليمية أن تقبل مختلف الدول بفكرة “وحدة المسطرة” و ذلك بإعطاء بعد دولي لأحكام المسطرة الجماعية متى كانت هذه الأخيرة صادرة في محكمة لدولة معينة تستقر فيها المؤسسة الرئيسية للمقاولة المدينة  إلا أن هذا الأمر في رأي هؤلاء يتطلب الثقة المتبادلة و المعاملة بالمثل التي تفرض إبرام إتفاقيات إما ثنائية أو دولية .[3]

وبإستقرائنا لمواد هذا القسم من القانون يلاحظ أنه ثمة مقتضيات جديدة تنظم نطاق وحدود تطبيق المساطر العابرة للحدود(الفقرة الأولى) و الإعتراف بالمساطر الأجنبية (الفقرة الثانية).

 الفقرة الأولى نطاق وحدود تطبيق المساطر العابرة للحدود

عمل القانون 73.17 على تحديد حالات و نطاق تطبيق المقتضيات الخاصة بالمساطر العابرة للحدود (أولا) كما أنه عمل على تنظيم شروط وكيفية الولوج إلى المساطر الأجنبية من قبل الممثل الأجنبي .

    أولا نطاق وحدود التطبيق

              أ – نطاق التطبيق     

تم تحديد هذا النطاق بمقتضى المادة 770 من م ت التي جاء فيها تطبق مقتضيات هذا القسم في الأحوال التالية :

ـ عندما تطلب محكمة أجنبية أو ممثل أجنبي المساعدة داخل تراب المملكة فيما يتصل بمساطر صعوبات المقاولة .

عندما تطلب في دولة اجنبية المساعدة فيما يتصل بمسطرة مفتوحة و فقا لمقتضيات القانون المغربي –

عندما تكون مسطرتين متعلقتين بنفس المدين مفتوحتين في آن واحد داخل المغرب و في دولة أجنبية.-

ـ عندما يكون للدائنين أو لأطراف معينة في دولة أجنبية مصلحة في طلب فتح المسطرة أو المشاركة   فيها وفقا للقانون المغربي .

وتجدر الإشارة إلى أن الفقرة الثانية من المادة 770 من م ت قد إستثنت من تطبيق مقتضيات هذا القسم المقاولات التي تخضع  لنظام خاص بمعالجة صعوبات المقاولة وفق مقتضيات التشريع المغربي ، والتي نذكر منها شركات التأمين ومؤسسات الإئتمان حيث نصت المادة 113 من قانون 103.12 المتعلق بمؤسسات الإئتمان و الهيئات المعتبرة في حكمها على عدم خضوعها لمساطر الوقاية ومعالجة صعوبات المقاولة .

          ب –  حدود التطبيق   

إذا كانت المواد 775 و 789 و 790 قد وسعت من نطاق تطبيق مقتضيات الباب التاسع فإنه في نفس الوقت نجد أن المشرع المغربي قد رسم حدودا لهذا التطبيق و ذلك في المواد 771 و 773 و 774 من م ت والتي تتمثل أساسا في وجوب مراعاة المعاهدات و الإتفاقيات الدولية و كذا مراعاة النظام العام . وأيضا في وجوب مراعاة المصدر الدولي لهذه المساطر عند تفسير مقتضياته من طرف المحكمة .

– أولوية المعاهدات و الإتفاقيات الدولية في التطبيق.

نصت المادة 771 على أولوية تطبيق المعاهدات و الإتفاقيات الدولية المصادق عليها من طرف المملكة المغربية و المنشورة بالجريدة الرسمية عند تطبيق مقتضيات الباب التاسع وهذا ما نصت عليه كذالك المادة الثالثة من قانون الأونيسترال النموذجي. [4]

– مراعاة النظام العام .

نصت المادة 773 من م ت على أنه تطبق المحكمة المختصة مقتضيات القسم التاسع  ما لم يكن الإجراء المطلوب مخالفا بشكل جلي للنظام العام[5]. كما أنه يراعى في تفسير مقتضيات هذا القسم مصدره الدولي[6] ،  و ضرورة تشجيع التوحيد في تطبيقه و إحترام قواعد حسن النية .[7]

وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن المادة السادسة من قانون  الأونسيترال النموذجي نصت على أنه ليس في هذا القانون ما يمنع المحكمة من رفض إتخاذ إجراء منصوص عليه في هذا القانون إذا كان واضحا أن ذلك الإجراء مخالف للسياسة العامة بوضوح .

وفي تفسير الدليل القضائي للقانون النموذجي للمادة السادسة من هذا الأخير إعتبر أنه بالنظر إلى أن مفهوم السياسة العامة يختلف من دولة إلى أخرى فإن هذا القانون تجنب تضمينه تعريفا موحدا له بحيث يعطى له في بعض الدول معنى واسعا يشمل أي قاعدة إلزامية من القانون الوطني. في حين أن أغلب الدول يقتصر فيه على مبادئ القانون الأساسية وخصوصا الضمانات الدستورية و لهذا إعتبر الدليل أنه يتعين بالنظر لإعتبارات سياق قانون الأونسيترال النموذجي التفرقة بين مفهوم السياسة العامة كما يطبق في الشؤون المحلية ومفهوم السياسة العامة كما يستخدم في مسائل التعاون الدولي ومسألة الإعتراف بالآثار المترتبة عن القوانين الأجنبية. [8]

 ثانيا : الولوج الى المساطر الأجنبية           

عمل المشرع المغربي في القانون رقم 73.17 على تنظيم شروط وكيفية الولوج الى المساطر الوطنية من قبل الممثل الأجنبي (ا) كما بين وضعية الدائنين(ب).

            أ- كيفية الولوج الى المساطر الأجنبية

خول المشرع المغربي بمقتضى المادة 776 للمثل الأجنبي[9] أن يتقدم بطلبه مباشره إلى المحكمة المختصة داخل التراب الوطني من أجل فتح إحدى مساطر صعوبات المقاولة طبقا لأحكام المادة 575 وما يليها من مدونة التجارة (المادة 778).

وهكذا فقد وسع نسبيا القانون من قاعدة الأشخاص الذي يحق لهم طلب فتح مسطرة المعالجة تجاه المقاولة وقد خول للمثل الأجنبي إمكانية أن يطلب الحكم بفتح مساطر صعوبات المقاولة طبقا لأحكام المادة 575 من مدونة التجارة .

ويجدر بنا إبداء ملاحظة أساسية في هذا الإطار حيث أن مجرد تقديم طلب طبقا لأحكام هذا القانون لا يجعل الممثل المذكور و لا أصول المدين أو أعماله التجارية الأجنبية خاضعة لإختصاص محاكم المملكة إلا في حدود الملتمسات الواردة في طلبه (المادة777).

         ب –  وضعية الدائنين

فيما يتعلق بالدائنين القاطنين في بلد اجنبي فقد منحهم المشرع نفس حقوق الدائنين القاطنين داخل التراب الوطني فيما يخص مباشرة إجراءات المسطرة أو المشاركة فيها (المادة 779) و أهمها حقهم في الأولوية المنصوص عليها في التشريع الوطني الجاري به العمل ، كما أنه و بموجب المادة 780 فإنه حينما يتوجب إشعار الدائنين القاطنين داخل تراب المملكة يوجه نفس الإشعار إلى الدائنين بالخارج و المعروفين لدى المحكمة و الذين ليس لهم عنوان داخل تراب المملكة و يمكن لها أن تتخذ التدابير المناسبة قصد إشعار الدائنين الذين لا تتوفر على عناوينهم و يوجه الإشعار إلى الدائنين كل على حدة ما لم تعتبر المحكمة أنه من الأنسب تبعا للظروف اللجوء إلى شكل آخر من أشكال الإشعار دون الحاجة الى إنابة قضائية أو غيرها من الشكليات  المماثلة (المادة 780 ف2).

الفقرة الثانية : الاعتراف بالمسطرة الأجنبية و آثاره

نظم المشرع المغربي شروط الإعتراف بالمسطرة الأجنبية (أولا) كما ميز بين الإعتراف بمسطرة أجنبية رئيسية و بين الإعتراف بمسطرة أجنبية غير رئيسية (ثانيا) .

      أولا :   شروط الإعتراف بالمسطرة الأجنبية

       أ- الشروط الموضوعية والشكلية      

نصت المادة 782 على أنه يمكن الإعتراف بالمسطرة الأجنبية إما بوصفها مسطرة أجنبية رئيسة[10] في حالة ما إذا كانت مفتوحة في دولة يوجد بها مصالح المدين الرئيسية أو بوصفها مسطرة أجنبية غير رئيسية إذا كان للمدين فقط مؤسسة بالمعنى المقصود في  الفقرة الأخيرة من المادة 769 . كما أنه يعتبر المقر الإجتماعي  للشخص الإعتباري أو محل الإقامة المعتاد بالنسبة للشحص الذاتي هو مركز المصالح الرئيسية للمدين ما لم يثبت خلاف ذلك.

كما يمكن للمحكمة تعديل الإعتراف أو إنهائه إذا تبين لها أن مبررات الإعتراف غير متوفرة كليا

 أو جزئيا لم تعد قائمة.

أما فيما يخص الشروط الشكلية فقد نصت المادة 781 من م ت على أنه يجوز للمثل الأجنبي أن يتقدم بطلب الى المحكمة المختصة يرمي إلى الإعتراف بمسطرة أجنبية لصعوبات المقاولة و بكونه معين فيها بهذه الصفة  و يرفق طلبه وجوبا بما يلي :

إقرأ أيضا : ملخص شامل ورائع لمادة صعوبات المقاولة الفصل الرابع

– نسخة مصادق عليها من قرار المحكمة الأجنبية القاضي بفتح المسطرة الأجنبية أو شهادة صادرة عنها  تفيد فتح المسطرة و تعيين الممثل الأجنبي .

– تصريح يعده الممثل الأجنبي يتضمن الإشارة إلى جميع المساطر الأجنبية المعروفة لديه و المتعلقة بشخص المدين .

يمكن للمحكمة أن تطلب ترجمة للوثائق المرفقة بطلب الإعتراف إلى اللغة العربية و تبت المحكمة في طلب الإعتراف بالمسطرة الأجنبية في أقرب الآجال .

          ب-  آثار تقديم طلب الإعتراف بالمسطرة الأجنبية

نصت المادة 783 على أنه و إبتداءا من تاريخ تقديم طلب الإعتراف ، يتعين على الممثل الأجنبي تبليغ المحكمة فورا بأي تغيير جوهري في المسطرة أو في تعيينه كممثل لها ، وكذا بكل مسطرة أجنبية أخرى قد تصل إلى علمه .

وحسب مقتضات المادة 784 فإنه يمكن للمحكمة  خلال الفترة الفاصلة بين تقديم طلب الإعتراف والبت فيه ، وكلما إقتضت ضرورة مستعجلة حماية أصول المقاولة أو مصالح الدائنين ، أن تأمر بصفة مؤقتة، وبناء على طلب الممثل الأجنبي بإتخاذ أحد التدابير التي يجيزها الكتاب الخامس ولاسيما منها وقف أو منع المطالبات القضائية و الإجراءات التنفيذية على أصول المدين المنصوص عليها في المادة 686 ، وإسناد مهمة إدارة وتحقيق كل أو بعض أصول المدين إلى الممثل الأجنبي أو سنديك تعينه المحكمة ، وذلك من أجل حماية هذه الأصول التي قد تكون بطبيعتها أو بسبب الظروف المحيطة بها قابلة للتلف أوعرضة لتدن محسوس في قيمتها ، أو تهددها مخاطر أخرى ، وإتخاذ التدابير المنصوص عليها في البند الثاني و الثالث من المادة 786 ، هذه التدابير التي ينتهي مفعولها بمجرد البت في طلب الإعتراف .

 ثانيا : آثار  الإعتراف بمسطرة أجنبية  

ميز المشرع المغربي بين الإعتراف بمسطرة أجنبية رئيسية و بين الإعتراف بمسطرة أجنبية غير رئيسية .

         ا – الإعتراف بمسطرة أجنبية رئيسية

يترتب عن الإعتراف بمسطرة أجنبية رئيسية الآثار القانونية التالية :

– وقف أو منع الدعاوى الفردية و كذا الإجراءات التحفظية و التنفيذية طبقا للمادة 656.

– منع المدين من التصرف في أمواله بنقلها أو تفويتها أو تأسيس أي ضمان عليها المادة (758).

– بمجرد الإعتراف بالمسطرة الأجنبية يجوز للمثل الأجنبي أن يتخذ كافة الإجراءات و يمارس كافة الدعاوى التي بإمكان السنديك ممارستها حماية لأصول المدين و لحقوق الدائنين طبقا للقانون المغربي  كما يحق له التدخل في المساطر التي يكون المدين طرفا فيها (المادة 788 ) .

          ب- الإعتراف بمسطرة أجنبية غير رئيسية

اذا تعلق الأمر بمسطرة أجنبية غير رئيسية فيتعين على المحكمة التأكد من كون الدعوى تتعلق بأموال يستلزم القانون تسييرها أو إدارتها في إطار مسطر ة أجنبية غير رئيسية أو أن الإجراء يرتبط بمعلومات تتطلبها المسطرة (المادة 788) .

1 2الصفحة التالية
زر الذهاب إلى الأعلى