المساطر العابرة للحدود لصعوبات المقاولة" قراءة في القسم التاسع من القانون 73.17 "

محتويات الموضوع

 المطلب الثاني : التعاون والتنسيق في المساطر الأجنبية

يدخل إضفاء البعد الدولي على مساطر صعوبات المقاولة حسب ما جاءت به المادة 786 من م ت في إطار تسهيل تعاون المحاكم المغربية مع المحاكم الأجنبية المعنية بمساطر صعوبات المقاولة ولذلك سنتطرق في هذا المطلب لغايات وآليات التعاون (الفقرة الأولى) وحالة تزاحم المساطر (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى : غايات وآليات التعاون

تتمثل الأهداف الأساسية للقانون النموذجي للأونسيترال في تعزيز التعاون بين المحاكم فيما يخص المساطر العابرة للحدود و حماية أصول المدين و كذا مصالح الدائنين الأجانب و تعزيز الأمن القانوني و القضائي و حماية الإستثمار و تيسير إنقاذ المؤسسات التجارية المتعثرة ماليا و إقتصاديا .

             أولا –  غايات التعاون

لم يتم التنصيص في الباب الرابع من القسم التاسع المتعلق بالتعاون مع المحاكم الأجنبية و الممثلين الأجانب على الأهداف و الغايات التي يتم تحقيقها من إرساء آليات التعاون المنصوص عليها في هذا الباب ، و بالتالي لا مناص من الرجوع إلى الباب الأول من هذا القسم المؤطرة لأهدافه والتي يتضح من خلالها أن غايات التعاون تتمثل في إدارة المساطر العابرة للحدود لصعوبات المقاولة ، إدارة منصفة و ناجحة بالشكل الذي يحمي الدائنين والأطراف الأخرى ، بما فيهم المدين ، وفي حماية   و تعيين أصول المدين ، وفي تسهيل إنقاذ المقاولات المتعثرة ماليا ، بما يوفر الحماية للاستثمار   و يحافظ على فرص الشغل .

في المقابل جاء في الدليل القضائي لقانون الأونسيترال النموذجي أن المقصود بالمواد 25 الى 27 من هذا الأخير هو تعزيز التعاون بين ممثلي الأغيار و المحاكم في الدول المختلفة من أجل ضمان التعاون مع إجراءات الإعسار التي تمس مدينا واحد على نحو يلبي إحتياجات جميع دائنيه . و أن الهدف المنشود هو تحقيق أكبر قدر من الزيادة من عائدات و منافع الدائنين(في المساطر التصفية و التسوية )، لتيسير حماية الإستثمار و المحافظة على فرص الشغل ، من خلال إدارة حوزة الإعسار بعدل و كفاءة.

والتعاون و التنسيق بين المحاكم هما من أركان القانون النموذجي الأساسية. وغالبا ما يكون التعاون هو السبيل الواقعي الوحيد لمنع تبديد الموجودات أو لزيادة قيمتها بأكبر قدر أو لإيجاد أفضل الحلول لإعادة تنظيم المنشاة. ويؤدي التعاون إلى تحسين تنسيق مختلف إجراءات الإعسار و تبسيطها بهدف تحقيق أكبر المنافع للدائنين.

  ثانيا : آليات التعاون   

لتحقيق الأهداف المسطرة بمقتضى المادة 768 يتعين على المحكمة التعاون مع المحاكم الأجنبية و الممثلين الأجانب إما مباشرة أو بواسطة السنديك[11] ويمكن لها على الخصوص الإتصال مباشرة    أو بواسطة السنديك بالمحاكم المذكورة لطلب المعلومات أو المساعدة وقد نصت المادة 790 من القانون أن هذا التعاون قد يتم بأية وسيلة مناسبة لاسيما  :

– تعيين شخص أو جهاز للتصرف تبعا لتعليمات المحكمة.

– التزويد بالمعلومات بكل طريقة تعتبرها المحكمة ملائمة.

– التنسيق بين المحاكم فيما يخص إدارة و مراقبة أموال و شؤون المدين.

– التنسيق بين مساطرصعوبات المقاولة المفتوحة في آن واحد في حق نفس المدين داخل المغرب    و خارجه.

إقرأ أيضا : المقاولة مفهومها وأنواعها والبنية التنظيمية لها

يشير دليل إشتراع القانون النموذجي[12] إلى إستحسان تمكين المحاكم في سياق إجراءات الإعسار عبر الحدود من الإتصال مباشرة بالمحاكم الأجنبية و ممثلي الإعسار بغية إجتناب إتباع إجراءات تقليدية تستنزف الكثير من الوقت مثل إلتماسات التفويض القضائي أو غير ذلك من القنوات الدبلوماسية   أو القنصلية و الإتصالات عبر المحاكم العليا. وهذه القدرة تكون ذات أهمية حاسمة حينما ترتئي المحاكم أنه يجدر بها أن تتصرف على نحو عاجل إجتنابا لإحتمال حدوث منازعات أو حفاظا على قيمة الممتلكات أو لأن المسائل المراد النظر فيها تتسم بالحساسية بالنسبة إلى عنصر الزمن .

وفي هذا الإطار جاء في الدليل القضائي لقانون الأونسيترال النموذجي أنه يمكن إستعمال العديد من وسائل الإتصال بما في ذلك  الهاتف و وصلات الفيديو والفاكس و البريد الإلكتروني كما يمكن إعتماد تقنية تبادل المراسلات المتضمنة لطلبات الحصول على معلومات أو على المساعدة ،  فان ذلك يمكن من تحقيق منافع كبيرة للمعنيين بالإعسار عبر الحدود .

 الفقرة الثانية : التنسيق في حالة تزاحم المساطر و وضعية الدائنين

سنتطرق في هذه الفقرة لحالة التزاحم بين مسطرة أجنبية و مسطرة وطنية (أولا) كما سنبين وضعية الدائنين (ثانيا).

 أولا : حالة تزاحم المساطر

                    أ ـ التزاحم بين مسطرة وطنية و أجنبية :

حماية لكل ما من شأنه أن يعرقل سير هاته المسطرة و لاسيما في حالة تزاحم المساطر المفتوحة في وجه نفس المدين ، فإن المشرع سن مقتضيات خاصة بالتنسيق بين المسطرة الوطنية و الأجنبية ،

حيث نصت المادة 792 على أنه عند تزاحم مسطرة أجنبية و مسطرة وطنية مفتوحة طبقا للمادتين 575 و 651 بخصوص نفس المدين تعمل المحكمة على تحقيق التعاون و التنسيق حسب الشروط التالية :

– في الحالة التي تكون مسطرة صعوبات المقاولة مفتوحة في المملكة المغربية عند تقديم طلب الإعتراف بالمسطرة الأجنبية يتعين أن يكون كل تدبير متخذ طبقا للمادتين 784 و 786 أعلاه موافقا للمسطرة المفتوحة و إذا تم الإعتراف بالمسطرة الأجنبية كمسطرة رئيسية لا تطبق مقتضيات المادة 758 أعلاه .

– في الحالة التي فتحت فيها مسطرة صعوبات المقاولة بعد الإعتراف بالمسطرة الأجنبية أو بعد تقديم طلب الإعتراف بالمسطرة يتعين على المحكمة أن تعيد النظر في كل تدبير متخذ طبقا للمادتين 784 786 أو إنهائه بالشكل الذي يتفق مع المسطرة التي ستفتح.

– إذا تم الإعتراف بالمسطرة الأجنبية كمسطرة رئيسية يتعين تعديل أو إنهاء الوقف أو المنع المنصوص عليهما في المادة 785 أعلاه بالشكل الذي يتفق مع المسطرة التي ستفتح لاحقا .

        ب ـ التزاحم بين مسطرتين اجنبيتين

في حالة تزاحم بين مسطرتين أجنبيتين بخصوص نفس المدين تعمل المحكمة على تحقيق التعاون

 و التنسيق حسب الشروط التالية :

– في الحالة التي تكون فيها المسطرة المعترف بها رئيسية يتعين أن يكون كل تدبير متخذ طبقا للمادتين 784 و 786 أعلاه في إطار مسطرة أجنبية غير رئيسية لاحقة موافقا للمسطرة الأجنبية الرئيسية .

– في الحالة التي يكون فيها الإعتراف بالمسطرة الأجنبية كمسطرة رئيسية لاحقا للإعتراف بمسطرة أجنبية غير رئيسة أو بعد تقديم طلب الإعتراف بهذه الأخيرة يجب على المحكمة  أن تعيد النظر في كل تدبير متخذ طبقا للمادتين 784 و 786 أعلاه بتعديله أو بإنهائه بالشكل الذي يتفق مع المسطرة الأجنبية الرئيسية .

إقرأ أيضا : “أي مصير للقلب النابض للمقاولة بعد صدور حكم فتح مسطرة التسوية القضائية على ضوء تعديلات قانون 73.17”

– في حالة الإعتراف بمسطرتين أجنبيتين غير رئيسيتين فإنه على المحكمة عند إتخاذ أو تعديل أو إنهاء أحد التدابير المذكورة مراعاة التنسيق بين المسطرتين وفيما يتعلق بالمساطر المتزامنة أو المتزاحمة فإن هناك قواعد معينة تتعلق بسداد الديون و تعتبر القاعدة المنصوص عليها في المادة 32 من قانون الأونسيترال النموذجي و التي يشار إليها أحيانا باسم قاعدة الخلطة أي مزج الممتلكات من أجل قسمتها بالتساوي ضمانا مفيدا في النظام القانوني الخاص بالتنسيق و التعاون في إدارة إجراءات الإعسار عبر الحدود . والمقصود بهذه القاعدة إجتناب الحالات التي قد يحظى فيها دائن بمعاملة أفضل من معاملة سائر الدائنين المنتمين إلى الرتبة نفسها بحصوله على سداد المبلغ نفسه الذي يطالب به في مساطر معالجة صعوبات المقاولة في ولايات قضائية مختلفة.[13]

         ثانيا-  وضعية الدائنين     

عمد المشرع المغربي على حماية الدائنين الأجانب و الدائنين داخل الوطن من جهة و الذمة المالية للمقاولة المدينة من جهة أخرى فنص في المادة 793 على أنه ومع الأخذ بعين الإعتبار لحقوق الدائنين أصحاب الضمانات لا يحق للدائن الذي إستخلص جزءا من دينه بموجب مسطرة مفتوحة خارج المملكة أن يستخلص أي مبلغ إضافي بموجب مسطرة ثانية مفتوحة طبقا لمقتضيات المادتين 575     و 651 أعلاه إذا كان المبلغ المدفوع لباقي الدائنين من نفس الرتبة بالتناسب مع ديونهم أقل من المبلغ الذي توصل به فعليا . 

خاتمة      

جاء  القانون رقم 73.17 ببعض المقتضيات مماثلة لتلك التي تضمنها القانون النموذجي الدولي سواء من خلال قواعده المسطرية أو أهدافه و ذلك في عدة حالات تضمنتها المادة  770 و التي إستوجبت ها ضرورة الإنفتاح على المساطر الأجنبية .

وإذا كانت مساطر معالجة صعوبات المقاولة المحلية لم تعرف النجاح المتوخى منها ذلك أن أغلبمساطر التسوية القضائية تؤول إلى التصفية فإن الإشكال المطروح في هذا الإطار ما مدى إمكانية نجاح هذه المساطر في بعدها الدولي بعد محدودية تحقق أهدافها في بعدها المحلي [14].

لائحة المراجع

– أحمد شكري السباعي الوسيط في مساطر الوقاية من الصعوبات التي تعترض المقاولة

 و مساطر معالجتها .ج 2 .دار نشر المعرفة ط 1 .2000

– علال الفالي مساطر معالجة صعوبات المقاولة ، الطبعة الثالثة.  

– عبد الكريم عباد ، البعد الدولي في مساطر صعوبات المقاولة المغربية ، قراءة في القسم التاسع من القانون رقم 73.17.

– مصطفى بونجة المساطر العابرة للحدود لصعوبات المقاولة وفقا للقانون 73.17 ، مجلة المحامي عدد 71 .


1ـ جاء في مذكرة تقديم القانون رقم 73.17 مايلي ويندرج هذا التعديل في اطار مسلسل  الإصلاحات الكبرى التي شرع  المغرب في القيام بها كمحطة رئيسية لإقرار مناخ ملائم و محفز قادر على الرفع من جاذبية بلادنا للاستثمار الذي يعرف تغييرا مستمرا و نموا [1]سريعا يحتم تحسين الاطار القانوني المرتبط به من اجل مسايرة النمو الاقتصادي الوطني والدولي والتنافسية.

إقرأ أيضا : معطيات مهمة عن ماستر القانون المدني و الاعمال لمنسقه احمد الجباري

2- اما على المستوى الدولي فقد تمخضت الجهود الدولية على اعتماد قانون نموذجي هذا القانون الذي تبنته الاونسيترال سنة 1997 و انطلاقا من مواد القانون النموذجي للاونسيترال فان الغاية المرجوة من وراء هذا القانون لا تتمثل في توحيد القوانين وإنما الغاية من هذا القانون تتمثل في التنسيق والتعاون بين القوانين الوطنية لحل معضلة المساطر العابرة للحدود لصعوبات المقاولة.

-احمد شكري السباعي الوسيط في مساطر الوقاية من الصعوبات التي تعترض المقاولة و مساطر معالجتها .ج 2 .دار نشر المعرفة ط 1 .2000 ص 278 .[3]

4-نصت المادة الثالثة من قانون الاونسيترال النموذجي على انه عندما يتعارض هذا القانون مع التزام ناشئ عن معاهدة او في شكل اخر من اشكال الاتفاق تكون هي طرفا فيه مع دولة او دول أخرى يكون الرجحان لمقتضيات تلك المعاهدة او ذلك الاتفاق

5- صدر قرار لمحكمة النقض التجارية بتاريخ 20 ماي 1967 يقضي انه لا يعتبر مخالفا للنظام العام الحكم الأجنبي القاضي بفتح مسطرة المعالجة تجاه غير التجار-لان هناك دولا تطبق الإفلاس على التجار وغير التجار – على اعتبار ان اهتمام المحكمة المحلية يجب ان ينصب على الاثار الاقتصادية و الاجتماعية لتلك المسطرة اكثر من شروط افتتاحها .

إقرأ أيضا : أي مصير للقلب النابض للمقاولة بعد صدور حكم فتح مسطرة التسوية القضائية على ضوء تعديلات قانون 73.17

[6] -Léna Gannagé « l’ordre public international à l’épreuve du relativisme des valeurs » , in travaux du comité français de droit international privé , années 2006-2008 ,Pedone ,2009 ,p.205.

-نصت المادة 774 على ما يلي يراعى في تفسير مقتضيات هذا القسم مصدره الدولي و ضرورة تشجيع التوحيد في تطبيقه واحترام قواعد حسن النية[7]

-علال الفالي مساطر معالجة صعوبات المقاولة الطبعة الثالثة ص532 [8]

[9]9-يقصد بالممثل الأجنبي كل شخص او هيئة مأذون لهما في مسطرة اجنبية بإدارة أموال المدين و شؤونه عن طريق المعالجة او التصفية او التصرف كممثل لمسطرة اجنبية .

– المادة 769 [10]

 :يقصد في مدلول هذا القسم ب

المسطرة الأجنبية كل مسطرة لصعوبات المقاولة مفتوحة ببلد اجنبي سواء كانت قضائية او إدارية بما في ذلك المساطر المؤقتة وخاضعة للمقتضيات المنظمة  لصعوبات المقاولة في هذا البلد وتكون فيها أموال المدين و اعماله خاضعة لرقابة او اشراف محكمة اجنبية بغرض المعالجة او التصفية .

إقرأ أيضا : المقاولة مفهومها وأنواعها والبنية التنظيمية لها

-المسطرة الأجنبية الرئيسية كل مسطرة تتم في دولة الدولة التي يوجد فيها المركز الرئيس لمصالح المدين .

-المسطرة الأجنبية غير الرئيسية كل مسطرة تتم في الدولة التي يوجد فيها مؤسسة للمدين بمدلول البند الأخير من هذه المادة .

الممثل الأجنبي كل شخص او هيئة ماذون لهما في اطار مسطرة اجنبية بإدارة أموال المدين وشؤونه عن طريق المعالجة او التصفبة او التصرف كممثل لمسطرة اجنبية.

المحكمة الأجنبية كل سلطة قضائية او غير قضائية مختصة بمراقبة المسطرة الأجنبية او الاشراف عليها.

المؤسسة كل محل اعمال يمارس فيه المدين نشاطا اقتصاديا غير عارض بوسائل بشرية و بسلع او خدمات .

11-نصت المادة 789 على ما يلي يتعين على المحكمة التعاون مع المحاكم الأجنبية و الممثلين اما مباشرة او بواسطة السنديك وفق التشريع الجاري بها العمل ولهذا الغرض يمكن لها طلب معلومات او مساعدة.

-دليل اشتراع قانون الاونسيترال النموذجي بشان الاعسار عبد الحدود الفقرة 189[12]

-علال الفالي مرجع سابق ص 557 .[13]

-عبد الكريم عباد البعد الدولي في مساطر صعوبات المقاولة المغربية (قراءة في القسم التاسع من القانون رقم 73.17) ص 444.[14]

المساطر العابرة للحدود لصعوبات المقاولة ” المساطر العابرة للحدود لصعوبات المقاولة ” المساطر العابرة للحدود لصعوبات المقاولة “

الصفحة السابقة 1 2
زر الذهاب إلى الأعلى