الحماية الجنائية للمرأة في القوانين الإجرائية " دراسة عملية "

الحماية الجنائية للمرأة في القوانين الإجرائية " دراسة عملية "

الحماية الجنائية للمرأة في القوانين الإجرائية “دراسة عملية “

محمد علالي طالب باحث بسلك ماستر قانون المنازعات بالراشدية – منتدب قضائي

تقديم:

تعد المرأة جزءا مهما في المجتمع الكلي بتحمل كافة الأعباء الملقاة على عاتقها ، مساواة بالرجل على حد سواء بعملها و علمها ، اجتهادها و إنجازاتها و لعل هذا التفضيل يجد نفسه في الدين الإسلامي فقد خص الله عز و جل سورة من سورته باسم النساء و من بين آيات التي تشير على أن الرجال و النساء يتمتعون برتبة متساوية أمام الله و يحصلون على نفس المكافأة مقابل أعمالهم نجد قول الله عز و جل :” استجاب لهم ربهم اني لا اضيع عمل عامل منكم  من ذكر و أنثى بعضكم من بعض فالذين هاجروا و أخرجوا من ديارهم و أوذوا في سبيلي و قاتلو و قتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم و لأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثوابا من عند الله و الله عنده حسن الثواب “[1].

    ولعل الدستور المغربي الجديد نص على مبدأ المساواة بين النساء والرجال في الحقوق السياسية والمدنية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية … [2]تجريم التمييز بين الرجل والمرأة.

     فقد أولى المشرع المغربي عناية خاصة للمرأة ووفر لها الحماية القانونية خاصة على مستوى القوانين الإجرائية منها قانون المسطرة الجنائية وقانون المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء 103.13 هذا الأخير الذي تضمن مجموعة من المستجدات التي تهم بالأساس بعض الإجراءات المسطرية بالإضافة إلى مأسسة اليات التكفل بالنساء ضحايا العنف.

إقرأ أيضا : المرأة المغربية والتنمية معوقات وآليات تحقيق الاندماج في التنمية

فإلى أي حد وفق المشرع المغربي في سن مقتضيات مسطريه حماءيه للمرأة على ضوء قانون المسطرة الجنائية وقانون 103.13؟

ولمحاولة الإحاطة بإشكالية الموضوع ارتأيت تقسيمه إلى مطلبين أساسين:

المطلب الأول: الحماية الإجرائية للمرأة قبل المحاكمة وأثناها.

المطلب الثاني: تجليات الحماية الإجرائية للمرأة بعد المحاكمة.

المطلب الأول: الحماية الإجرائية للمرأة قبل المحاكمة واثناها

    إن حق التقاضي مكفول دستوريا و يمكن لكل متضرر من أي فعل أن يلجأ إلى القضاء للمطالبة بحقه و زجر مرتكبي الضرر و أن المحاكمة العادلة تقتضي احترام إجراءات التقاضي المنصوص عليها بمقتضى القوانين الإجرائية خاصة قانون المسطرة الجنائية و للمرأة خصوصية لكونها تعتبر طرف ضعيف في الحلقة الجنائية بصفتها ضحية لكن في بعض الأحيان قد تتخذ صفة المتهمة و رغم ذلك لبد من التعامل معها بنظر إلى جنسها و خصوصيتها على مستوى البحث الذي تقوم به الضابطة القضائية تحت إشراف النيابة العامة و إجراءات هاته الأخيرة قبل عرض القضية على المحكمة و توفير لها الحماية الإجرائية قبل المحاكمة ( الفقرة الأولى ) كما أن القوانين الإجرائية الجنائية تعاملت مع المرأة بمقتضيات خاصة ( الفقرة الثانية ) .

  الفقرة الأولى: الحماية الإجرائية للمرأة قبل المحاكمة

    إن الإجراءات التي تمر بها كل شكاية أو وشاية كيفما كان نوعها وخصوصيتها تقتضي بدأها بالبحث والتحري من طرف الضابطة القضائية (أولا) التي تعمل بدورها بإشعار النيابة العامة والعمل على تنفيذ تعليمات هاته الأخيرة (ثانيا)

أولا: خصوصية البحث والتحري امام الضابطة القضائية فيما يخص قضايا المرأة.

    المقصود بضباط الشرطة القضائية هم المدير العام للأمن الوطني وولاة الأمن والمراقبون العامون للشرطة وعمداء الشرطة وضباطها، ضباط الدرك الملكي وذوو الرواتب فيه وكذا الدركييون الذين يتولون قيادة فرقة أو مركز للدرك الملكي طيلة مدة هاته القيادة …[3]

    من خلال مقتضيات المادة 20 من قانون المسطرة الجنائية يتبين على أن المقصود بالشرطة القضائية كل من الأمن الوطني داخل المجال الحضري و الدرك الملكي خارج المدار الحضري بحيث يباشر ضابط الشرطة القضائية بالتثبت من وقوع الجرائم و جمع الأدلة عنها و البحث عن مرتكبيها و تنفيذ تعليمات قاضي التحقيق و النيابة العامة كما يتلقى الشكايات و الوشايات طبقا لشروط المنصوص عليها في قانون المسطرة الجنائية و من بين هاته شكايات النساء المعنفات  بحسب نوعية العنف ( النفسي ، الجسدي ، الجنسي، الاقتصادي ) ، يقوم ضابط الشرطة القضائية المكلف بالاستماع للمشتكية و تسجيل شكايتها و توفير لها الحماية و تجري الأبحاث بالاستماع للمشتكى به و المصرحين إن وجدو في حين إذا تبين للضابط الشرطة القضائية ضرورة مرافقة الضحية للمستشفى قصد إجراء فحص طبي و تلقي شهادة طبية قصد تعزيز البحث التمهيدي العادي .

إقرأ أيضا : ميراث المرأة في الإسلام

    هذا إذا كانت المرأة بصفتها ضحية أما إذا كانت مشتبه فيها بارتكاب جريمة ما فهنا نجد الحماية التي خصصت لها بمقتضى قانون المسطرة الجنائية على مستوى التفتيش هذا الأخير الذي يقوم به ضابط الشرطة القضائية بمعنى أن مقتضيات المسطرة الجنائية ألزمت أن التفتيش لا يمكن أن يتم إلا بحضور من له صفة ضابط سواء سامي أو عادي و التفتيش يتم على المنازل أو على الجسد و لكل ضوابطه إذا تم تفتيش على المنازل هذا الأخير الذي لم يعرفه المشرع المغربي في قانون المسطرة الجنائية لكن صادفنا الفصل 511 من قانون المسطرة الجنائية :” كل مبنى أو بيت أو مسكن او خيمة او مأوى ثابت او متنقل سواء كان مسكونا فعلا او معد للسكنى و كل ملحقاتها كالساحات …” و نظرا لحساسيته وضع له المشرع المغربي عدة إجراءات و ضمانات لتفادي الانتهاكات السافرة له خاصة إذا تعلق الأمر بتفتيش منزل امرأة فإنه يلزم حضورها بنفسها أو ممثلها فإن تعذر ذلك وجب على ضابط الشرطة القضائية أن يستدعي شاهدين لحضور التفتيش من غير الموظفين الخاضعين لسلطته كما يجب في جميع الأحوال أن تحضر هذا التفتيش امرأة ينتدبها ضابط الشرطة القضائية لتفتيش النساء في الأماكن التي يوجدن بها طبقا للمقتضيات المادة 60 من قانون المسطرة الجنائية .

    وإن كل اخلال بهاته المقتضيات المحصنة يعرض صاحبها إلى جزاء جنائي يتمثل في الفصل 230 قانون الجنائي ” كل قاض او موظف عمومي، أو أحد رجال أو مفوض السلطة العامة أو القوة العمومية يدخل، بهذه الصفة، مسكن أحد الأفراد، رغم عدم رضائه، في غير الأحوال التي قررها القانون، يعاقب بالحبس من شهر إلى سنة وغرامة من مائتين إلى خمسمائة درهم.

إقرأ أيضا : المرأة المغربية والتنمية معوقات وآليات تحقيق الاندماج في التنمية

وتطبق أحكام الفقرة الثانية من الفصل 225 على الجريمة المنصوص عليها في الفصل.”

   وأن كل إخلال بالإجراءات المنصوص عليها في كل من المواد 59 و60 من قانون المسطرة الجنائية تقع تحت طائلة البطلان الإجراء المعيب مما قد يعرض التفتيش والمحضر المنجز من طرف الضابطة القضائية باطلين.

    أما التفتيش الجسدي للمرأة فمقتضيات المادة 81 من قانون المسطرة الجنائية جاءت صريحة في هذا الشأن فلا يجوز تفتيش الأنثى إلاّ من بني جنسها بحيث يتعين أن تقوم به امرأة ينتدبها ضابط الشرطة القضائية لذلك مالم يكن الضابط امرأة.

   هذا فيه حماية للمرأة على وجه الخصوص وإقرار وصيانة الأدب والقيم والأخلاق والنظام العام ثم الحفاظ على الأعراض.

   هذا فيما يخص الحماية الإجرائية للمرأة أمام الضابطة القضائية في إطار البحث التمهيدي لكن ما هو الشأن أمام النيابة العامة؟

ثانيا: دور النيابة العامة في توفير الحماية الإجرائية للمرأة.

  إن إبراز دور الهام والأساسي الذي تقوم به النيابة العامة في توفير الحماية للنساء لبد من الانطلاق من اختصاص الأصلي للنيابة العامة التي يترأسها وكيل الملك بالمحاكم الابتدائية وبدوره يتلقى الشكايات والوشايات ويتخذ بشأنها ما يراه ملائما طبقا لمقتضيات المادة 40 من قانون المسطرة الجنائية.

      لعل أهم الشكايات التي تتوصل بها النيابة العامة شكايات متعلقة بالنساء ضحايا للعنف بكافة أشكالها وعليه تم إحداث خلايا التكفل بالنساء ضحايا العنف وهي المرحلة التي تشرف عليها النيابة العامة تسعى من خلالها إلى تسهيل ولوج الضحية للمحكمة وتوفير لها الحماية القضائية بحيث تقوم النيابة العامة بتدخل على وجه السرعة منذ وصول العلم لديها بوقوع فعل جرمي يكتسي طبيعة عنف ضد المرأة بالإشراف عن الفحص الطبي والنفسي للضحية بإعطاء أمر بإجراء فحص طبي للضحية للطبيب المختص بالمستشفى الإقليمي.

    يتم استقبال الضحية لدى النيابة العامة من طرف المساعد الاجتماعي بمكتب الخلية العنف ضد النساء وبفضاء خاص بالاستماع إليها وإشعارها بكل حقوقها المعترف بها قانونا.

إقرأ أيضا : رسالة لنيل دبلوم الدراسات المعمقة تحت عنوان “العنف الأسري ضد المرأة بالمغرب أية حماية ؟”

    بعد ذلك تستقبل من طرف نائب وكيل الملك أو نائب الوكيل العام للملك المكلف بخلية تكفل بالنساء ضحايا العنف بحضور مساعد الاجتماعي ويتم الاستماع إليها بمحضر خاص يوقع من طرف النائب المكلف ومساعد الاجتماعي إلى جانب توقيع المشتكية ويعطي ممثل النيابة العامة تعليماته لضابط الشرطة القضائية المختص مكانيا بإجراء أبحاث في الشكاية وربط الاتصال.

    أما بخصوص شكاية من أجل الطرد من بيت الزوجية فقد جاء قانون 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء بمقتضى جديد من خلال الفصل 480.1 من قانون الجنائي يمكن للنيابة العامة أمر بإرجاع الزوجة المطرودة ومرافقتها من طرف الضابطة القضائية وكل امتناع عن إرجاعها من طرف الزوج سيعرضه للمتابعة طبقا للمقتضيات سالفة الذكر.

هذا إلى جانب أن قانون 103.13 خول النيابة العامة:

-إمكانية إنذار المعتدي بعدم الاعتداد في حالة التهديد بارتكاب العنف مع تعهد بعدم الاعتداء.

– عدم الاقتراب من الضحية (المرأة)

– إمكانية إحالة الضحية إلى مراكز الاستشفاء قصد العلاج.

– الأمر بالإيداع بمؤسسات الإيواء أو مؤسسات الرعاية الاجتماعية للمرأة المعنفة التي ترغب في ذلك.

الفقرة الثانية: الحماية الإجرائية للمرأة أثناء المحاكمة.

  بعد تحريك المتابعة من طرف النيابة العامة يتم إحالة الملف على المحكمة بعدما تم تسجيله في سجل خاص محدث للقضايا النساء ضحايا العنف من طرف كتابة النيابة العامة.

      نجد المحكمة الابتدائية لبولمان بميسور تجعل من ملفات قضايا النساء في الترتيب الأولي نظرا لخصوصية هاته القضايا ولعدم انتظار النساء داخل قاعة الجلسات لوقت طويل وهذا في حد ذاته حماية إجرائية داخل هاته المحكمة للنساء بشكل عام يتم الاستماع للمشتكية أي الضحية وتمكينها من أن تعرض كل التفاصيل والمعلومات والأدلة والقرائن على المحكمة من أجل تعزيز شكايتها لما نعلمه من صعوبة في الإثبات في مثل هاته القضايا خاصة العنف الزوجي.

      جاء قانون 103.13 بمقتضيات جديدة حماءيه في هذا الخصوص ذلك بإمكانية جعل جلسة المحاكمة سرية إذا تعلق الأمر بقضية عنف واعتداء جنسي ضد المرأة أو القاصر وذلك بناء على طلب الضحية، إمكانية الجمعيات المعلن عنها أنها ذات نفع عام والتي تعنى بقضايا مناهضة العنف ضد النساء في الانتصاب كطرف مدني على الحصول على إذن كتابي من الضحية[4].

المطلب الثاني: الحماية الإجرائية للمرأة بعد المحاكمة

1 2الصفحة التالية
زر الذهاب إلى الأعلى