أي مصير للقلب النابض للمقاولة بعد صدور حكم فتح مسطرة التسوية القضائية على ضوء تعديلات قانون 73.17

المبحث الثاني: المقتضيات الخاصة ببعض العقود الجارية

كانت مقتضيات المادة 573 من القانون القديم – نظرا للصياغة العامة التي جاءت بها- تطبق على جميع العقود كيفما كان نوعها دون التفريق بين أشكال العقود، فورية أو مستمرة، تقوم على اعتبارات شخصية أم لا بل الأكثر من ذلك لم يكن التشريع المغربي يقرن تنفيذ هذه القاعدة باستثناءات صريحة أو ضمنية.

إلا أن الملاحظ أن المشرع المغربي سرعان ما تدارك الموقف في القانون الجديد 73.17 حيث إنه بالوقوف عند مقتضيات المادة 588 منه، نجد بأن المشرع جاء بمستجد مفاده استثناء بعض العقود من الأحكام التي تخضع لها العقود الجارية، وذلك بالنظر لطبيعتها الخاصة ولحساسيتها وتأثيرها الإجتماعي المفرط، والحديث هنا يخص عقد الشغل بالدرجة الأولى، كما سنضيف إليه عقد كراء المحل التجاري (المطلب الأول)، وإضافة لما سبق يتضح أن هناك نوع آخر من العقود كالعقود البنكية (المطلب الثاني)تستدعي عدة ملاحظات، فما هو مصير هذه العقود بعد فتح مسطرة التسوية القضائية؟

المطلب الأول: مصير عقد الشغل وعقد كراء المحل التجاري 

    فرضت، ضرورة استمرار استغلال المقاولة في ظروف حسنة خلال فترة إعداد الحل، على المشرع المغربي أن يستقي من القانون الفرنسي المبدأ المنصوص عليه في المادة 588 من المدونة المغربية للتجارة(وفق التعديل الجديد)، الذي بمقتضاه يكون للسنديك وحده أن يطالب بمواصلة العقد الجاري التنفيذ في تاريخ صدور الحكم القاضي بفتح المسطرة، إلا أن ما يعاب على المشرع في هذا الإطار أنه لم يحدد موقفه من بعض العقود خلافا لنظيره الفرنسي ,ويتعلق الأمر بعقد كراء المحل التجاري الذي تمارس فيه المقاولة نشاطها (الفقرة الثانية) وإن كان قد جاء في ظل القانون 73.17 بموقف صريح استثنى بموجبه عقود الشغل من نطاق تطبيق العقود الجارية( الفقرة الأولى).

الفقرة الأولى: استثناء عقود الشغل من نطاق تطبيق العقود الجارية 

إذا كانت قواعد قانون الشغل تفرض كأصل عام على رئيس المقاولة أو من يقوم مقامه (السنديك) بالحفاظ على عقود العمل المبرمة قبل إصدار حكم التسوية القضائية والسارية المفعول خلال فترة إعداد الحل.[26]

فكيف عالج القانون الجديد مصير عقود الشغل خلال هذه الفترة؟

   أدى سكوت المشرع المغربي في مدونة التجارة السابقة عما إذا كانت عقود الشغل مشمولة أم لا بالقاعدة المنصوص عليها في المادة 573 المنسوخة، إلى تباين الآراء بخصوص الإستمرار القانوني لهذا النوع من العقود، فأمام عمومية المادة المشار إليها آنفا فتح الباب على مصرعيه للمواقف الفقهية بين من استثنى ومن لم يستثني عقود الشغل من نطاق الخيار المخول للسنديك.

  إذ ذهب أنصار الاتجاه القائل بخضوعها لمقتضيات المادة 573 إلى القول بأن السنديك يتمتع بصلاحية مطلقة من النظام العام لإنهاء عقود الشغل وهي سلطة لا يمكن أن تحد منها رقابة القاضي المنتدب، ولا يمكن أن تقيدها مقتضيات مدونة الشغل[27]، ومن تم فإن شمولية المادة أعلاه توحي بأن عقود الشغل الناشئة لفائدة المأجورين قبل صدور حكم فتح المسطرة خاضعة لإرادة السنديك كباقي العقود الجارية الأخرى لما خوله إياه المشرع من سلطة مطلقة لا يزاحمه فيها أحد.[28]

بينما استند أنصار الاتجاه الثاني القائل بعدم شمولية المادة 573 لعقود الشغل إلى عدة أسباب من بينها أن الأجر في عقد الشغل له طابع إجتماعي واقتصادي خاص، مما يحول دون إخضاعه لمختلف الأحكام المتعلقة بالديون الأخرى التي تكون مترتبة على رئيس المقاولة. أضف إلى ذلك أن عقد العمل يخضع دائما لنظام خاص به يختلف كثيرا عن ذلك المطبق على غيره من العقود الأخرى التي تكون مبرمة مع المقاولة المفتوحة ضدها مسطرة المعالجة.[29]

ولسد الباب أمام هذا الخلاف الذي كان قائما، واعتبارا منه لخصوصية عقد الشغل بالنسبة للأجراء وللمقاولة، نص المشرع المغربي لأول مرة على مقتضى جديد في الفقرة الرابعة من المادة 588 من القانون الجديد يتعلق باستثناء هذه العقود من الأحكام المنظمة للعقود الجارية.[30]

وفي هذا السياق يرى أحد الباحثين[31] أنه حسن فعل المشرع، فقد شكل عدم إدراج هذا الإستثناء في نظام صعوبات المقاولة منذ 1996 نقط ضعف كبيرة في نظام المساطر الجماعية، ويكون القانون المغربي بذلك قد اصطف إلى جانب موقف القانون الفرنسي بهذا الخصوص.

فالمقتضيات السابقة بمدونة التجارة لم تكن تتضمن أي مقتضى حول هذا النوع من العقود، بل كانت فقط تتضمن بعض الامتيازات المحدودة جدا فيما يتعلق بديون الأجراء الناجمة عن عقود الشغل، وذلك في بعض المواد منها مثلا:

  • – المادة 555 التي استثنت الديون الناجمة عن العمل من قاعدة منع السداد الكامل أو الجزئي لأي دين سابق عن الأمر القاضي بالوقف المؤقت للإجراءات خلال مسطرة التسوية الودية، وهو نفس المقتضى التي تتضمنه حاليا المادة 555 بخصوص مسطرة المصالحة في ظل القانون 73.17.[32]
  • – المادة 686 من م.ت السابقة التي أعفت الأجراء من التصريح بديونهم إلى السنديك استثناء من القاعدة العامة التي تلزم جميع الدائنين بالتصريح بديونهم خلال الأجل القانوني، والتي عوضتها المادة 719 من القانون 73.17.
  • – كما ألزمت المادة604 من م ت السابقة تضمين عروض التفويت مستوى التشغيل وآفاقه حسب النشاط المعني، والتي عوضتها المادة 636 من القانون 73.17.
  • – المادة 605 من م ت السابقة التي نصت على ضرورة اختيار المحكمة للعرض الذي يضمن أطول مدة لاستقرار التشغيل وأداء مستحقات الدائنين والتي عوضتها المادة637 من القانون73.17

عموما، فإنه إذا كان المشرع المغربي قد استبعد عقد الشغل الجاري التنفيذ من حق الخيار الممنوح للسنديك بخصوص الإحتفاظ بالعقود الجارية أو الاستغناء عنها، مادامت الغاية من مسطرة التسوية هي مساعدة المقاولة على الاستمرار في نشاطها والحفاظ على مناصب الشغل، وبالتالي جعل هذه العقود تستمر بقوة القانون بعد فتح مسطرة التسوية، فإن ذلك لا يعني عدم إمكانية تسريح بعض العمال(وذلك بعد فترة إعداد الحل أي حين يعمد السنديك إلى تبني مخططا للإستمرارية أو التفويت) إذا كان إنقاذ المقاولة يتطلب ذلك،لكن مع مراعاة مقتضيات قانون الشغل.[33]

فعلى خلاف ما كانت تنص عليه الفقرة الخامسة من المادة 592 من م ت السابقة، فإنه ووفقا لما جاء في نص المادة 624 من القانون الجديد، إذا كانت القرارات المصاحبة للاستمرارية المذكورة أعلاه ستؤدي إلى فسخ عقود الشغل فإن هذا الفسخ يعتبر واقعا لأسباب اقتصادية بالرغم من كل مقتضى قانوني مخالف، كما أن هذا الفسخ لا يصبح ساري المفعول إلا بعد توجيه إشعار بذلك من قبل السنديك إلى كل من المندوب الإقليمي للشغل وعامل العمالة أو الإقليم المعني, ويحتفظ الأجراء المفصولون بكل الحقوق المخولة لهم قانونا.[34]

إلا أنه وبالنسبة للدعاوى المرفوعة من طرف الأجراء ضد المقاولة من أجل أداء ما بذمتها من أجور أو تعويضات سابقة على حكم فتح المسطرة، فقد جاءت المادة 686 التي عوضت المادة 653 من م ت في حلتها القديمة، تتضمن صياغة عامة واستثناء يتعلق بحالة الدائن الذي يتوفر على ضمانة منقولة فقط, وبالتالي لم تخصص دعاوى الأجراء بأي استثناء أو امتياز، ومن تم فإن عقود الشغل تكون مشمولة كذلك بالوقف أو المنع المنصوص عليه بهذه المادة.

الصفحة السابقة 1 2 3 4 5 6 7الصفحة التالية
زر الذهاب إلى الأعلى