نظام الوساطة في تشغيل الفنانين على ضوء القانون رقم 16.68

نظام الوساطة في تشغيل الفنانين على ضوء القانون رقم 16.68

مقال بقلم؛ عماد الترغي و أمين بلحاج

طلبة باحثين بسلك الماستر تخصص قانون الأعمال

-جامعة الحسن الثاني-

مقدمة:

        مما لا شك فيه ان اليد العاملة هي المحور الرئيسي للنهوض بالتنمية الإقتصادية خاصة في الدول الغير الصناعية ، بحكم مساهمتها بشكل كبير في القطاعات الانتاجية و تطورها و سيرورتها على المستوى الداخلي و الخارجي ، بل أكثر من ذلك أصبحت الطبقة العاملة تشكل طاقة إنتاجيةو مصدر الموارد و الاستثمارات الأجنبية بالنسبة للدول المتوفرة عليها ، و على هذا الأساس دأبت مختلف التشريعات و الدساتير و المواثيق الدولية على توفير ترسانة قانونية بما يضمن تحقيق التوازن الإقتصادي بين أرباب المقاولات و بين الحقوق الإجتماعية للأجراء المشتغلين لديهم سعيا لتحقيق السلم و الإستقرار الإجتماعي.

و لما كان حق الشغل في المغرب حقا دستوريا لكل مواطن و يثقل كاهل الدولة [1] ، بالإضافة إلى أهميته في التنمية الإجتماعية و الإقتصادية للأفراد، اتجه المشرع المغربي إلى خلق أجهزة مهمتها تنظيم الشغل و القيام بدور الوساطة . و المشرع ذهب أبعد من هذا الأمر حيث قام بتنظيم الوساطة في المجال الفني و الثقافي ، فكان أول تنظيم قانوني هو القانون رقم 71.99 المتعلق بالفنان الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.03.113 المؤرخ في 19 يونيو 2003 ، وبقي هذا القانون معمولا به لمدة 13 سنة ، إلى أن يتم نسخه بالقانون رقم 68.16 المتعلق بالفنان و المهن الفنية[2]

و تختلف طرق التشغيل من فنان لآخر ، بحيث هناك من سيلجأ إلى وكالة الخدمات الفنية المرخص لها من قبل السلطة الحكومية المكلفة بالشغل من أجل تقديم طلب الشغل ، و جعلها جهاز وسيط في عملية التشغيل ، أو اللجوء إلى المؤسسة الفنية بشكل مباشر دون وسيط ، لكن في الواقع غالبا ما يتم الاستعانة بالوكالات من أجل البحث عن مناصب الشغل،  مما جعل الوساطة تحظى بتنظيم تشريعي من قبل معظم التشريعات [3] . ومنها المشرع المغربي من خلال الباب الحادي عشر في المواد من 33 إلى 38 من القانون رقم 68.16 المتعلق بالفنان و المهن الفنية،  مع الإحالة على بعض المقتضيات الواردة في الفرع الثاني من الباب الأول من الكتاب الرابع من مدونة الشغل[4] من خلال المواد من 492 إلى 494 ، كل هذا من أجل تكريس حماية قانونية للفنان وعلاقته التعاقدية مع الوكالات الفنية تجاه المؤسسات الفنية.

و تأسيسا عليه يمكننا طرح إشكالية مفادها :

إلى أي مدى استطاع المشرع المغربي أن ينظم الوساطة الفنية تنظيما قانونيا من شأنه ضمان نجاعتها ي تشغيل الفنانين ؟

هاته الإشكالية تفرعت عنها مجموعة من التساؤلات من قبيل:

ما هو الجهاز المكلف بدور الوساطة في تشغيل الفنانين ؟

ماهي شروط إنشائه؟ و التزاماته ؟ و مسؤولياته ؟

  و للإجابة عن هذه الإشكالية نقترح التصميم الآتي:

  المبحث الأول: الوكالات الفنية جهاز وسيط في تشغيل الفنان.

 المبحث الثاني: إلتزامات الوكالات الفنية و مسؤوليتها القانونية.

المبحث الأول: الوكالات الفنية جهاز وسيط في تشغيل الفنان.

لقد اهتم المشرع المغربي بالمجال الفني من منطلق بعض المقتضيات الخاصة فأجاز لبعض المكاتب أو الوكالات بتعاطي مهمة الوساطة بمقابل، وذلك في الميدان الفني بجميع فروعه. فما المقصود إذن بهذه الوكالات الفنية؟ (المطلب الأول ) و ما طبيعة العقد الذي يربطها بالفنان وما هو مضمونه (المطلب الثاني).

المطلب الأول:ماهية الوكالات الفنية.

سنعمد في هذا المطلب إلى تعريف الوكالات الفنية باعتبارها جهاز وسيط في عملية تشغيل الفنان( الفقرة الأولى)، و الأطراف المرتبطة بها (الفقرة الثانية) .

الفقرة الأولى: تعريف الوكالات الفنية.

الوكالات الفنية حسب مدونة الشغل، هي تلك التي يعهد إليها القيام بدور الوساطة من أجل التشغيل بين المسارح، أو الأجواق الموسيقية، او المعارض، أو دور السينما، أو مجالات السرك، و عموما مقاولات الترفيه من جهة و الفنانين من جهة أخرى؛ و انطلاقا من المادة الأولى من القانون رقم 68.16 المتعلق بالفنان و المهن الفنية نجدها تعرف وكالة الخدمات الفنية في البند العاشر بأنها “كل شخص اعتباري أو مقاول ذاتي يقوم بالتقريب و الوساطة بين طلبات وعروض الشغل الفني، دون أن يكون طرفا في علاقة الشغل الفنية التي قد تنشأ عن ذلك.”

تأسيسا على ما تقدم يمكن القول أن هذه الجهة قد رخص لها المشرع من خلال السلطة الحكومية المكلفة بالشغل الى القيام بعملية الوساطة في التسهيل و التقريب بين طلبات الشغل و العروض المقدمة من قبل الفنانين.

الفقرة الثانية: الأطراف المرتبطة بوكالة الخدمات الفنية.

أولا: الفنان

عرف المشرع المغربي الفنان بأنه ” كل شخص ذاتي يبدع أو يشارك، من خلال أدائه،في إبداع أو إعادة إبداع أعمال فنية، والذي يعتبر العمل الفني عنصرا رئيسا في حياته، ويساهم بذلك في تطوير الفن و الثقافة، أو خريج إحدى المؤسسات المتخصصة في التعليم الفني المعترف بشهادتها من طرف الدولة. و يعتبر فنانا مهنيا كل فنان يمارس نشاطا فنيا، بصفة دائمة أو متقطعة، مقابل أجر فني أو في إطار القيام بعمل فني لحسابه أو لبيعه أو كرائه لصالح الغير…”

انطلاقا من هذا التعريف يمكن القول بأن الفنان يضطلع بدور مهم في إغناء الحياة الثقافية و الفنية و كذلك تطوير الصناعات الإبداعية الشيء الي خول له المشرع بتقديم طلب الشغل للوكالات الفنية باعتبارها وسيط تقوم بعملية البحث و التنقيب من خلال العروض المقدمة لها من طرف المؤسسات الفنية.

ثانيا: المؤسسة الفنية.

عرف المشرع المغربي المؤسسة الفنية بأنها ” هي كل شخص ذاتي يعمل لحسابه الخاص ويبرم مع فنان أو أكثر عقد شغل، أو كل شخص اعتباري، يأخذ شكل شركة خاصة أو عمومية أو مؤسسة عمومية أو جمعية أو تعاونية تنشط في المجال الفني، يبرم مع الفنان أو أكثر عقد شغل أو عقد مقاولة، يكون موضوعها القيام بنشاط فني مقابل أجر فني”.

انطلاقا من هذا التعريف يمكن القول أن المؤسسة الفنية قد تتجلى في شخص طبيعي يعمل لحسابه الشخصي بإبرام عقد شغل مع فنان أو أكثر، أو في شخص اعتباري في شكل شركة مثلا بإبرام عقد شغل مع فنان أو أكثر، أو عقد مقاولة يكون فيها الفنان ملزم بتحقيق نتيجة مقابل أجر على أساس الإنتاج المتعلق بالقيام بنشاط فني.

المطلب الثاني : خصوصية العقد الرابط بين الفنان ووكالة الخدمات الفنية.

نتناول بين دفتي هذا المطلب الطبيعة القانونية للعقد (الفقرة الأولى) على أن نعرض لمضمون هذا العقد (الفقرة الثانية)

الفقرة الأولى: الصبغة القانونية للعقد.

باستقراء أحكام الباب الحادي عشر من القانون 16 68 نجد أن الوكالة الفنية وجدت أساسا بهدف التقريب والوساطة لتشغيل فناني أو تقنيي أو إداريي الأعمال الفنية في المؤسسات الفنية.

وتتوسل هذه الوكالات في سبيل إحقاق  المبتغى الذي  وجدت لأجله عقودا تصير بمقتضاها وكيله للفنان او مسيرة لأعماله الفنية ومن ثمة تنبري الصبغة القانونية للعقد الذي يربط بين الفنان و وكالات الخدمات الفنية فهو عقد وكالة،  وهذا الاخير مما هو معلوم من العقود المسماة التي افرد لها المشرع أحكاما خاصة في قانون الالتزامات والعقود وهي من العقود الواردة على العمل، فالوكالة عقد بمقتضاه يلتزم الوكيل بان يقوم بعمل قانوني لحساب الموكل ويجب ان يتوافر في الوكالة الشكل الواجب توافره في العمل الذي يكون محل الوكالة ما لم يوجد نص يقضي بغير ذلك.[5]

والوكالة ،هي على ضربين وكالة عامة وهي التي تمنح الوكيل صلاحيات عامة غير مقيدة لأداء مصالح موكله.و وكالة خاصة وهي التي تقتصر طبقا  للفصل 891 من قانون الالتزامات والعقود على تصرف واحد ولا يتوسع في تفسيرها وتمنح الوكيل صلاحيات محدده من أجل القيام بعمل أو عده أعمال معينة مع توابعهما الضرورية ولعل عقد التوكيل الذي يربط الفنان بوكالة الخدمة الفنية هو احد أبهى التطبيقات المهمة لهذا النوع من الوكالات.[6]

الفقرة الثانية :  مضمون العقد.

يخول عقد التوكيل الفني الذي يبرمه  الفنان مع الوكالة الفنية لهذه  الاخيرة، بحسب  مقتضيات الفقرة الأخيرة من المادة 34 من القانون رقم 68. 16 ما يلي؛

أولا-  إدارة أعمال الفنان وتدبيرها ومواكبته خلال مسيرته الفنية؛

حيث تتولى الوكالة الفنية الإشراف على أعمال الفنان الفنية، وتلتزم بتقديم كل اشكال العون والمشورة الفنية له.

ثانيا-  فحص كل الإقتراحات المقدمة للفنان والبحث عن فرص الشغل لفائدته ومناقشه العقود مع المشغلين وضبط قانونيتها ؛

ويتضح من ذلك  أنه يفترض في الوكالة الفنية ان يكون لها دراية بالمجال القانوني حيث يقع على عاتقها مناقشه كل بنود مشاريع العقود التي يكون زبونها بصدد إبرامها والتأكد من مدى مطابقتها للضوابط والمعايير القانونية.

ثالثا – التعريف بالفنان واشعاع صورته لدى المهنيين ولدى الاعلام.

حيث يقع عاتق هذه الوكالات بمجرد التعاقد أن تعمل على شاعة صورة الفنان داخل الوسط الفني ذلك من خلال؛

-إذاعة سيرته المهنية ومشواره الفني

-برمجة لقاءات صحفية واعلامية للفنان بغية اشعاع صورته…

المبحث الثاني : إلتزامات الوكالات الفنية ومسؤوليتها  القانونية.

نتناول ضمن هذا المستوى المسؤولية القانونية لهذه الوكالات الفنية سواء الزجرية منها أو المدنية (المطلب الثاني) على أن نتعرض إلى طبيعة الالتزامات الملقاة على عاتق وكالة الخدمات الفنية (المطلب الأول).

المطلب الأول : التزامات وكالة الخدمات الفنية.

من أجل إطلاع وكالات الخدمات الفنية بالمهمة التي أنيطت بها على أكمل وجه، ألزم المشرع هذه الوكالات بضرورة التقيد بمجموعة من الإلتزامات.

هذه الإلتزامات منها  ماهو منصوص عليه في إطار القانون رقم68.16 المتعلق بالفنان و المهن الفنية ومنها ماجاءت به الإتفاقية الدولية رقم 181 و  المتعلقة بوكالات الإستخدام الخاصة و المعدلة للإتفاقية رقم 91 لسنة 1949 المتعلقة بوكالات خدمات التوظيف بأجر والتي صادق عليه المغرب سنة 2004  ومنها ماهو منصوص عليه في  مدونة الشغل.

سنتعرض في هذه المطلب إلى كل من إلتزامات وكالات الخدمات الفنية تجاه الفنان (فقرة أولى)ثم ننتقل بعد ذلك إلى الحديث عن إلتزمات وكالات الخدمات الفنية تجاه السلطة الحكومية المكلفة بالشغل( فقرة ثانية).

الفقرة الأولى : التزامات وكالة الخدمات الفنية إزاء الفنان.

يقع على عاتق وكالت الخدمات الفنية في إطار قيامها بوظيفة الوساطة في تشغيل الفنانيين مجموعة من الإلتزامات.

أولا: عدم تلقي أي مقابل من طرف الفنانين .

حسب الفقرة الثانية من المادة 37من القانون68.16 المتعلق بالفنان و المهن الفنية و التي جاء فيها مايلي ” يتحمل المقاول الفني  وحده ما تطلبه وكالة الخدمات الفنية من إتاوات وليس على الفنانين أو تقنيي أو إداريي الأعمال الفنية الذين وقع تشغيلهم أداء أي مقابل”

وعليه فإن اللجوء إلى وكالة الخدمات الفنية من طرف الفنان غير مؤدى عنه ولعل الغاية من وراء ذلك هو حماية هذه الفئة الضعيفة في العلاقة الشغلية وتشجيعا لها للبحث عن العمل إضافة إلى حماية الأجر من  أي إقتطاعات قد تطرأ عليه لما له من طابع معيشي.

وبالمقابل نجد أن هناك من التشريعات التي تسمح لوكالات التشغيل الخصوصية من إقتضاء 2%  من أجر العامل الذي يتم إلحاقه بالعمل وذلك عن السنة الأولى كمصروفات  إدارية[7] وهذا مايخالف مستويات العمل الدولية خاصة الإتفاقية 181 لسنة 1997 التي حظرت على وكالات الإستخدام الخاصة أن تتقاضى بصورة مباشرة جزئيا أو كليا أية رسوم أو تكاليف من العمال حتى ولو إتخد صبغة مصروفات إدارية (المادة 7 من الإتفاقية181)

وهذا ماذهبت إليه المادة 480 من مدونة الشغل المغربية حينما نصت على أنهيمنع على وكالات التشغيل الخصوصية أن تتقاضى من طالبي الشغل بصورة مباشرة أو غير مباشرة جزئيا او كليا أية اتعاب أو مصاريف

وعليه فإن مسألة تلقي الأجر مقابل الخدمات التي تقدمها وكالات الخدمات الفنية يعود إلى المؤسسات الفنية وهو مايتضح من خلال نص المادة 38تحدد قيمة الإتاوات المؤداة لوكالات الخدمات الفنية مقابل الوساطة بين المؤسسات الفنية و الفنانين أو تقنيي أو إداريي الأعمال الفنية بشكل تفاوضي بين الأطراف المتعاقدة.مع الحرص على عدم النزول عن الحد الأدنى المنصوص عليه بالمادة 493 من مدونة الشغل

وبالتالي فإن المشرع قد أحال هنا على النسب التي لايجب أن ينزل عنه إتفاق الأطراف والمحدد حسب المادة 493 من مدونة الشغل كالتالي:

” %2من أجر الفنان عن فترة إلتزام لاتتجاوز 15 يوما.

% 5 من أجر الفنان عن فترة إلتزام تتراوح مابين 15 يوما و شهرا واحدا

% 10 من اجر الفنان عن فترة إلتزام تفوق الشهر

غير انه يمكن للوكالات أن تطالب بنسب أعلى من ذلك، إذا تعلق الأمر بإلتزامات شغل تقل مدتها عن شهر وكان الفنان يتقاضى أجرا يوميا يفوق ضعفي الحد الأدنى القانوني للأجر الشهري من غيرأن تتعدى النسبة %10.

ثانيا : عدم تلقي ودائع أو كفالات أي كان نوعها.

منع المشرع المغربي  على وكالات الخدمات الفنية أن تتسلم او تتلقى عند قيامها بعمليات التشغيل ودائع أو كفالات أي كان نوعها ،وهو مايسشتف من نص المادة 37 في فقرتها الأولىيمنع على مسؤولي وكالات الخدمات الفنية أن يتسلموا أو يتلقوا عند قيامهم بعمليات التشغيل.ودائع أو كفالات أيا كان نوعها .

والظاهر من عموم النص أن هذه الحماية تمتد لتشمل حتى المشغلين وذلك كوسيلة لإبعاد كل إبتزاز قد يعرقل إنجاح دور هده الوكالات و المتمثل في الوساطة وفي المساعدة على إيجاد مناصب الشغل.

وبالنظر لأهمية هذا الإلتزام فإن المشرع المغربي قد ربطه بجزاء في حالة مخالفته و المتمثل حسب المادة  48 من قانون الفنان و المهن الفنية في مايلي :

يعاقب بغرامة من 10000 إلى 20000درهم؛ كل مسؤول عن وكالة الخدمات الفنية تسلم أو تلقى ودائع أو كفالات أيا كان نوعها مقابل قيامه بتشغيل فنان وذلك خرقا لمقتضيات المادة37 من هذا القانون.

ثالثا : عدم التمييز بين الفنانين طالبي الشغل .

بالرجوع إلى المادة 478 من مدونة الشغل نجدها قد حظرت كل تمييز يمكن أن يمارس من طرف وكالات التشغيل الخصوصية على أساس العرق أو اللون أو الجنس أو الدين أو الرأي السياسي أو الأصل الوطني أو الأصل الإجتماعي، من شأنه المساس بمبدأ تكافؤ الفرص و المعاملة في ميدان التشغيل .

ويمنع أيضا على وكالات التشغيل الخصوصية التمييز من منطلق الإنتقاء الرامي إلى الحرمان من الحرية النقابية أو المفاوضة الجماعية، ولايعد إجراء تمييزيا تقديم خدمات خاصة أو إنجاز برامج وضعت خصيصا لمساعدة طالبي الشغل الأكثر حرمانا في سياق بحثهم عن العمل، وهذا مايتناغم مع المقتضيات التي جاءت بها المادة 6 من الإتفاقية رقم 181 و التي تتعلق بوكالات التوظيف الخاصة.

رابعا : إحترام المعطيات الشخصية للفنانين طالبي الشغل.

يجب أن تتم معالجة البيانات الشخصية لطالبي الشغل من قبل وكالات التشغيل الخصوصية بكيفية تراعي إحترام الحياة الخاصة للمعنيين بالأمر مع إقتصارهم على المسائل التي ترتبط بمؤهلاتهم وخبراتهم المهنية المادة 479 من مدونة الشغل .

وهذا مانص عليه المشرع الفرنسي ، حيث ألزم وكالات التشغيل الخاصة بجمع البيانات الضرورية فقط لتشغيل الباحث  عن عمل( 9Art.R5323 )[8] من قانون العمل الفرنسي، وتأتي مرجعية هذه الحماية إلى مقتضيات القانون 09.08 والذي يعتبر أداة قانونية تؤطر إستعمال المعطيات الشخصية وتقنين تدبير المعطيات ذات الطابع الشخصي من طرف المؤسسات العمومية والخاصة وذلك من أجل حماية الحياة الخاصة لأفراد طبقا للبند 24من الدستور.

الفقرة الثانية: التزامات الوكالة إزاء السلطة الحكومية المكلفة بالشغل.

لمراقبة سير ومدى مساهمة وكالات الفنية في إنعاش عملية الوساطة في تشغيل الفنانين ،ألزمها المشرع ببعض الالتزامات تجاه السلطة الحكومية المكلفة بالشغل نجد من بينها:

أولا: عرض عقود التشغيل بالخارج للتأشير عليها من طرف السلطة الحكومية  المكلفة بالشغل.

تنص الفقرة الثانية من المادة 492 من مدونة الشغل، على أنه يجب على الوكالة الفنية أن تعرض مسبقا على السلطة الحكومية المكلفة بالشغل جميع العقود التي توسطت في إبرامها قصد التأشير عليها، إذا كان الغرض منها تشغيل فنانين من جنسية اجنبية من طرف مقاولات للعروض التي تزاول نشاطها بالمغرب، أو تشغيل فنانين من جنسية مغربية من طرف مقاولات مماثلة تزاول نشاطها بالخارج.

و نلاحظ من خلال هذه الفقرة أنها تخرج عن القاعدة العامة الواردة في المادتين 512 و 516 من مدونة الشغل، بشأن تشغيل الأجراء المغاربة في الخارج و تشغيل الأجراء الأجانب بالمغرب[9].

حيث إن المشغل هو الذي يسعى إلى التأشيرة من طرف الجهة المختصة، و إن كان الأمر بتشغيل الأجير المغربي بالخارج يبقى خاضعا لقانون الدولة المهاجر إليها، إذ هي التي تحدد الجهة المعنية، لكن عند تشغيل الفنان الأجنبي فإن الوكالة هي التي تقوم بعرض العقد على السلطة الحكومية المكلفة بالشغل، و ليس مقاولة العروض باعتبارها المشغل الحقيقي، فهذه الحالة الأخيرة تبرز استثناءا واضحا بتحمل الوكالة الفنية لمسؤوليتها في مجال الحصول على التأشيرة فقط، إذ نرى بأن الآثار الأخرى و الواردة في المادة 518 من مدونة الشغل و المتعلقة بالتزام المشغل بتحمل مصاريف عودة الأجير الأجنبي إلى بلده أو البلد الذي كان يقيم فيه، و ذلك في الحالة التي تكون فيها الوكالة الفنية قد قامت بكل الإجراءات القانونية ،ينبغي ان تبقى حسب القاعدة العامة على عاتق المشغل.

ثانيا: مسك سجل.

ألزم المشرع المغربي وكالة الخدمات الفنية بأن تمسك سجلا يحدد نموذجه من قبل السلطة الحكومية[10]قصد إجراء المراقبة الضرورية للتحقق من مدى احترام المقتضيات المنظمة لها، و على اعتبار أن القانون 16,68 لم يحدد نموذج السجل الذي تمسكه وكالة الخدمات الفنية، فإن بالموازاة مع ذلك نجد قرار صادر لوزير التشغيل و التكوين المهني تحت رقم 348,05 في 9 فبراير 2005 تم بموجبه تحديد نموذج السجل الذي تمسكه وكالات التشغيل الخصوصية، هذا السجل الذي يجب أن يشمل على صفحات مرقمة و مؤرخة و خالية من كل فراغ أو تشطيب مؤشر عليها من قبل العون المكلف بالشغل و أن تكون كل هذه الصفحات مختومة بخاتم المندوبية المكلفة بالشغل

و يتضمن هذا السجل مجموعة من البيانات من أهمها الإسم الشخصي و العائلي للأجير و اسم المقاولة أو المشغل و كذلك السبب الموجب للجوء للوساطة، و نوعية العقد، و تاريخ و مدة العمل، و نوع المنصب…

ثالثا: بعث كشف مفصل عن الخدمات التي تقدمها وكالة الخدمات الفنية.

باطلاعنا على القانون المنظم للفنان و المهن الفنية نجد أن المشرع المغربي لم ينص على هذا المقتضى، غير أنه و باعتبار وكالة الخدمات الفنية وكالة خصوصية فإنها تخضع لمقتضيات العامة المضمنة في قانون الشغل المتعلقة بالوساطة في هذا الشأن، ما لم تتعارض مع مقتضيات هذا القانون و غاياته، و بالتالي فهي ملزمة أن تبعث إلى مصالح المكلفة بالتشغيل كشفا مفصلا عن الخدمات التي تقدمها.

و يتضمن هذا الكشف على الخصوص أسماء و عناوين المشغلين الذين طلبوا منها التدخل لفائدتهم، و كذا الأسماء الكاملة لطالبي الشغل المسجلين لديها و عناوينهم و شهادتهم و مهنهم و الأسماء الكاملة لطالبي الشغل الذين تم تشغيلهم عن طريقها[11] ،و يلاحظ أن المشرع المغربي يهدف من خلال فرضه لهذا المقتضى تحسيس الوكالات الفنية بمراقبتها من قبل السلطة الحكومية المكلفة بالشغل لتنضبط لمهامها .

المطلب الثاني: المسؤولية القانونية للوكالات الفنية:

نعالج المسؤولية المدنية ضمن (الفقرة الأولى) على أن نتطرق للمسؤولية الزجرية في (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى : المسؤولية المدنية:

لما كان العقد الذي يربط الفنان (طالب الخدمة) بالوكالة الفنية هو عقد ،ومن ثمة فإن أساس المسؤولية الذي تقوم عليه هو تعاقدي حسبما تم التنصيص عليه في المادة 34 من القانون 16.68.

هذا ويقتضي نهوض المسؤولية العقدية ثلاثة عناصر معهودة ؛

الخطأ؛ وهو عدم قيام المدين بتنفيذ إلتزامه الناشئ عن العقد أو تأخره في الوفاء به أو يكون تنفيذه للإلتزام معيبا وبطريقة تختلف عما حصل الإتفاق عليه.

ومما تقرر سلفا أن العلاقة التي تجمع الفنان بالوكالة الفنية هي علاقة تعاقدية تؤصل لذلك مقتضيات المادة 34 حيث باستقراء هذا النص نجد أن يكون بإمكان الفنان أن يتعاقد مع الوكالات الفنية بموجب عقد توكيل لأجل إدارة الأعمال والتعريف به في الوسط الفني واشعاع صورته وجلب العروض الفنية له.

بناءا عليه فإن كل إخلال بتنفيذ تلك المآرب التي رسمها النص القانوني وأُتفق عليها بمقتضى العقد ، من شأنه ترتيب المسؤولية في مواجهة الوكالة الفنية.

الضرر؛ وهو ما لحق الدائن من خسارة حقيقية  وما فاته من كسب متى كانا ناتجين مباشرة عن عدم بالإلتزام والضرر إما أن يكون ماديا كما قد يكون معنويا.

وبقراءة مقتضيات المادة  34 يبدو أن التزام الوكالة الفنية تجاه الفنان هو التزام بتحقيق نتيجة ،ومن ثمة فليس على الفنان المتضرر جُناح في إثبات كافة عناصر المسؤولية بل يكفيه أن يثبت عنصر الضرر الذي لحقه ذلك أن الضرر يشي افتراضا على ارتكاب وكالة الخدمات الفنية خطأً.

حيث لا يكون بوسع الأخيرة التحلل من المسؤولية إلا إذا أثبتت أن الخطأ ارتكب بفعل المدين أو كان نتيجة سبب أجنبي.

علاقة السببية ؛ أي أن يكون الضرر نتيجة طبيعية لعدم قيام المدين بتنفيذ إلتزامه العقدي على الوجه المطلوب، كأن تتخلف الوكالة الفنية عن التعريف بشخص الفنان ومشواره المهني الفني حيث من شأن ذلك أن يتسبب له تراجع صورته وسمعته في الساحة الفنية.

الفقرة الثانية :المسؤولية الزجرية:

إن مما يمكن تسجيله عند استقراء احكام القانون 16.68 هو أن المشرع المغربي لم يولي الجانب الزجري والمسؤولية الزجرية لهذه الوكالات الفنية الاهتمام الكافي .

هذا. وقد عاقب المشرع المغربي بمقتضى القانون المذكور كل من يمارس نشاط وكالات الخدمات الفنية من غير التحصل على الترخيص الوارد النص عليه ضمن مقتضيات المادة 33 ، كما عاقب مسؤولي الوكالات الفنية أولئك الذين يتلقون ودائع أو كفالات مهما كان نوعها، مقابل تشغيل فنان وذلك بغرامة يترواح قدرها بين عشرة آلاف درهم إلى عشرين ألف درهم.

خاتمة ؛

في حصيلة هذه الدراسة نصل إلى أن الوساطة في تشغيل الفنان أصبحت اليوم وسيلة من وسائل تشجيع الانتاج الفني والثقافي وترسيخ ممارسات جديده لتداول المنتوج الفني ، حيث بات الاقبال عليها يتزايد من قبل مهنيي القطاع الفني نظرا لخبرتها وسمعتها في هذا المجال التي من الممكن ان تضيفها للمشوار الفني للفنان

ولأجله نتقدم بالتوصيات التالية ؛

  • التنظيم الشامل لوكالة الخدمات الفنية باعتبارها جهاز وسيط في تشغيل الفنانين من خلال  ايضاح  الشروط الشكلية و الموضوعية لتأسيس هذه الوكالة، و معه تفادي الإحالة على المقتضيات العامة المنصوص عليها في مدونة الشغل.
  • تحديد المسؤوليات في مجال الوساطة الفنية تحديدا دقيقا، خاصة مسؤولية الوكالة تجاه المؤسسة الفنية فيما يخص الشواهد و الوثائق المقدمة لها من طرف الفنان.
  • إلزام الوكالة بالقيام بأعمال التعاون و التنسيق مع الفاعلين في مجال الوساطة الشغلية.

[1]  الفصل 31 من الدستور الجديد للمملكة المغربية 2011 ، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.91 الصادر في 27 من شعبان 1432 ( 29 يوليو 2011) .

2  القانون رقم 68.16 المتعلق بالفنان والمهن الفنية صدر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.16.116 مؤرخ في 25غشت2016 , الجريدة الرسمية عدد 6501.

3 مصطفى شنضيض ، عقد الشغل الفردي ، الطبعة الأولى 2004 ، مطبعة النجاح الدار البيضاء ، ص:26 .

[4]  ظهير شريف رقم 1.03.194 صادر في 14 من رجب 1424 (11 سبتمبر 2003) بتنفيذ القانون رقم 65.99 المتعلق بمدونة الشغل ، الجريدة الرسمية عدد 5167 .

[5]  – كرم بودية، عقد الوكالة والإجراءات المتبعة في توثيقها ، مقال منشور بالموقع الإلكتروني “MAROC DROIT  بتاريخ 19 مارس 2013 ، تاريخ التصفح 19 نونبر 2020 .

[6]  – عبد السلام فيغو ، العقود المدنية الخاصة في القانون المغربي ، الطبعة الأولى،2008 ،مطبعة الأمنية الرباط.

[7] لمادة 21 من قانون العمل المصري” يحظر على الجهات المشار إليها فى المادة 17 من هذا القانون تقاضى أي مقابل من العامل نظير إلحاقه بالعمل ، ومع لك يجوز تقاضى مقابل عن ذلك من صاحب العمل. 

واستثناء من أحكام الفقرة السابقة يجوز للشركات المشار إليها فى البند هـ من المادة 17 من هذا القانون تقاضى مبلغ لا يجاوز 2% من أجر العامل الذي يتم إلحاقه بالعمل وذلك عن السنة الأولى فقط كمصروفات إدارية ، ويحظر تقاضى أية مبالغ اخرى من العامل تحت أي مسمى. “

[8] Art.R5323-9  L’organisme privé de placement peut collecter les données à caractère personnel relatives aux personnes à la recherche d’un emploi dans la mesure où elles sont nécessaires à l’activité de placement, à l’exception du numéro d’inscription au répertoire national d’identification des personnes physiques.

[9] سعيد بناني، قانون الشغل بالمغرب على ضوء مدونة الشغل، علاقات الشغل الفردية، الجزء الثاني –المجلد الاول- مطبعة النجاح، الجديدة ،2007.

[10] المادة 486 من مدونة الشغل .

[11] المادة 484 من مدونة الشغل .

زر الذهاب إلى الأعلى